من دفتر الوطن

العفو.. واللؤلؤ!

| فراس عزيز ديب

يحكى أن فلاحاً بسيطاً كان يعزف الناي في حقله، فجأة اقترب منه نسرٌ وكأنه يصغي إلى العزف الجميل لدرجة بات فيها وكأنه يراقص جناحيه على تلك الأنغام، وما إن انتهى الفلاح من العزف حتى أخرج النسر من فمه لؤلؤةً فرح فيها الفلاح، بدأ هذا الأمر يتكرر مع كل مرة يصادف فيها النسر عزف هذا الفلاح إلى أن جاء اليوم الذي قرر فيه الذهاب إلى الحج، فأسر لولده الوحيد بحقيقة الطريقة التي حصل فيها على اللآلئ.

بعد ذهاب الأب فكر الابن باتباع الطريقة ذاتها لاستعطاف النسر لكنه لم يكن يجيد العزف، فطلب من صديق له أن يختبئ خلف الشجرة ويعزف بدلاً عنه، فعلياً اقترب النسر من الصوت وبدأ بالانسجام مع اللحن حتى أخرج لؤلؤة من فمه فرح بها الولد، لكنه فكر في قرارة نفسه: لماذا لا أقوم بقتل النسر وأحصل على ما في بطنه من اللآلئ دفعةً واحدة؟

أخذ الولد منجله وحاول مهاجمة النسر، لكن النسر انتبه إليه فقام عبر مخالبه الحادة بتهشيم وجهه حتى فقئت عيناه، هام الولد على وجهه بعد أن فقد البصر، فوقع من المنحدر ومات.

عاد الفلاح من رحلته وبعد سماعه بما جرى لم يصدق أن النسر الكريم يفعل ذلك، بقي يعزف حتى ظهر له النسر بوجه حزين، حاول معاتبته على قتل ابنه فحكى له النسر ما جرى بالتفصيل لأنه لم يختر قتل الولد، اعتذر الأب وطالب النسر أن يعودا كما كانا، الأول يعزف والثاني يمنح اللآلئ لكن النسر قاطعه قائلاً:

لا يمكن لنا أن نعود كما كنا، فلا أنت ستنسى أني تسببت بقتل ابنك ولو كان طمعه الذي قتله ولا أنا سأنسى غدر ابنك بي.

هذه الخلاصة التي توصل إليها النسر الكريم هي ما تحاول كل أبواق الفتنة في المعارضات السورية ومن يدعمها في إعلام البترودولار تسويقه منذ صدور مرسوم العفو الأخير عن كل الجرائم المرتبطة بالعمليات الإرهابية في سورية عدا تلك التي تسببت بوفاة أشخاص.

مما لا شك فيه أن فهمنا لأهمية هذا المرسوم والسعي نحو تطبيقه بكل السبل المتاحة يبدو جلياً في رؤية صداه عند الطرف الآخر، الذي يرفضه، القضية أبعد بكثير من مجرد تفريغ أحد أهم المراسيم في تاريخ سورية الحديثة من مضمونه، القضية هي الدفع بالسوريين نحو نتيجة يفرضها العهر الإعلامي الذي اعتاد تمزيق الأوطان والمتاجرة بالأبرياء بأن سورية لا يمكن لها أن تعود، حتى المبعوث الأممي «غير بيدرسون» الذي اعتاد قلب الحقائق لم يستطع تجاوز هذا المرسوم وأشاد به، على هذا الأساس تبدو رسالتي لكل الإخوة والأخوات على امتداد الوطن السوري، لا تكونوا عوناً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في التقليل من أهمية المرسوم أو التصويب عليه، في السياق ذاته رسالتي لكل من ما زال يصغي لمحاولة ترهيبه ودفعه لعدم الاستفادة من هذا المرسوم أن يضع جانباً كل هذه الخزعبلات وتذكر أن الوقت يمضي وبالنهاية ليس لنا كسوريين إلا بعضنا، ومن يحاول أن يعيد عليكم قصة النسر والناي عليكم مجابهته بحقيقة مغايرة لما ورد في الرواية:

ماذا لو كان عزف الراعي هو ما يحرض إبداع النسر على إنتاج اللآلئ؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن