قضايا وآراء

تل أبيب ما بين الحصار والعجز عن تغيير الواقع

| تحسين الحلبي

يبدو من قراءة بعض التحليلات السياسية والعسكرية الإسرائيلية في اليومين الماضيين أن عدداً من المحللين العسكريين يميلون إلى تشجيع جيش الاحتلال على شن عملية عسكرية مكثفة ضد فصائل المقاومة في قطاع غزة وكان من بينهم بن درور ياميني، وهو أحد قادة الاستيطان المتشددين ففي تحليل نشره في صفحة «يديعوت أحرونوت» بالعبرية أول من أمس قال إن «المطلوب من الحكومة الإسرائيلية إنذار الفصائل الفلسطينية بتوجيه الجيش نحو شن عملية عسكرية مكثفة وواسعة ضد قطاع غزة إذا لم توافق على نزع سلاحها مقابل تعهد إسرائيلي بترميم ما دمره الجيش في القطاع وبناء ميناء بحري وبهذه الطريقة ستحظى إسرائيل بتأييد من المجتمع الدولي على أي عملية عسكرية تشنها ضد القطاع».

ويوضح في اقتراحه هذا أن «موضوع شن عملية عسكرية واسعة ضد القطاع لم يعد يتعلق بضرورة تنفيذها فقط بل بتحديد ساعة الصفر وطريقة التنفيذ أيضاً»، ويقر ياميني في تحليله بأن الجيش الإسرائيلي لم يستطع سوى استنزاف القدرات العسكرية لهذه الفصائل في العمليات الهجومية التي شنها في أربع محاولات سابقة هي «الرصاص المسكوب» و«عامود السحاب» و«الجرف المتين» و«حارس الأسوار» في العام الماضي، ولم يتمكن من تدمير قدرات الفصائل المسلحة وقد آن الأوان لتدميرها بشكل كبير بعملية أوسع.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه أمام الاحتمالات المتزايدة لشن حرب إسرائيلية مكثفة وواسعة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة هو: هل تتيح الظروف الراهنة المحلية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة وفي المنطقة وفي الوضع الدولي الراهن وجود أوراق قوة بيد جيش الاحتلال أم إن الأطراف التي تقاوم وتتصدى للاحتلال ومشاريعه التوسعية هي التي تزداد أوراق القوة في أيديها؟

كان هذا السؤال ذاته، قد حاول بعض المحللين العسكريين في الكيان الإسرائيلي الإجابة عليه عند إعلان جيش الاحتلال عن مناوراته التدريبية العسكرية قبل أيام، فوجدوا أن أي تصعيد واسع بالقوة النارية ضد قطاع غزة أو ضد جبهة الشمال، سيؤدي في أغلب الاحتمالات إلى قيام الجيش بالتحرك العسكري والناري على عدة جبهات متعددة في أشكال المجابهة ونسبة الأخطار، فالجيش في هذه الحال لن يجابه قطاع غزة وحده، بل جبهة في الوسط في الضفة الغربية وفي داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948 وتتطلب استدعاء قوات احتياط كبيرة في مواجهة خمسة ملايين فلسطيني، على حين أن معظم أفراد الجيش النظامي سيجري حشدها على جناحي جبهة الشمال في جنوب لبنان أمام حزب الله، وعند حدود الجولان أمام الجيش السوري، وإضافة إلى هذا الوضع الصعب والمعقد لجيش احتلال قد لا يتجاوز عدد أفراده المجندين عن 300 ألفاً إلى 400 ألفاً، وسيواجه الجيش عملية نشر هذه القوات على أربع جبهات بعضها في مواجهة جيش نظامي وبعضها الآخر في مواجهة فصائل مسلحة لا تبعد أقدام المسلحين فيها سوى كيلو مترات قليلة عن مراكز المستوطنات في الشمال وفي الجنوب ودون أن يشكل الجدار الفاصل عائقاً كبيراً أمام تجاوزهم له.

لا شك أن الظروف الدولية الراهنة تدل بشكل واضح على أن العالم وقواه الكبرى يشهد الآن فرزاً بين قوتين إحداهما روسيا والصين ومن يقف إلى جانبهما، والأخرى الولايات المتحدة وأوروبا ومن يعتمد عليهما في حمايته ومنهم إسرائيل، فمع احتدام أشكال المواجهة السياسية والعسكرية بين هذين الطرفين على الساحة العالمية والضعف الواضح في قدرة الغرب على تخفيض المجابهة أو حسمها بالسرعة الممكنة لمصلحة الغرب، سيجد فيه الكيان الإسرائيلي أنه يواجه وضعاً دولياً ليس في مصلحته وخاصة أن محور المقاومة الذي يشكل الجبهات الأربع التي تقاوم احتلاله سيتمتع في ظل هذا الوضع، بقدرة متزايدة في المجال العسكري وفي مجال الاستعداد لاستخدام قوته الشاملة في أي مجابهة واسعة ضد قوات الاحتلال.

يبدو أن قيادة الكيان الإسرائيلي السياسية والعسكرية تدرك طبيعة هذا الواقع الدولي والإقليمي الذي يجمد قدراتها على تحقيق التوسع ويفرض عليها رؤية تزايد قدرات أعدائها في المنطقة من دون أن تكون قادرة على إيقافها أو مجابهتها بحرب شاملة وقائية أو استنزافية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن