ليس الكاتب والصحفي الساخر عزت السعدني بأشهر أبناء عائلة السعدني القادمين من محافظة المنوفية في الريف المصري، فهو أقل شهرة من ابني عمه الشقيقين، الكاتب الكبير الراحل محمود السعدني، والممثل النجم صلاح السعدني. ومع أنني التقيت الفنان النجم محمود السعدني في بيت الصديق سعد اللـه ونوس عندما قدم مسرحية (الملك هو الملك) في دمشق، وأحببت روحه المرحة الرائعة، إلا أن عزت السعدني الذي كان أول رئيس تحرير لمجلة الأطفال الأسبوعية «علاء الدين»، والذي انتقل إلى دار الحق يوم الإثنين الماضي، يحتل المكانة الأعلى في قلبي من بين الثلاثة، ولهذا قصة أجد أنه من الصواب أن أرويها لكم.
في عام 1993، عندما وصل إلى دمشق أول عدد من مجلة «علاء الدين»، التي كان عزت السعدني رئيس تحريرها، تلقفته بلهفة لأنها كانت تناسب أطفالي من حيث السن والتوجه. والحق أن متعتي بقراءة المجلة لم تكن أقل من متعتهم. غير أني صدمت عندما قرأت، في عام 1994، افتتاحية لعزت السعدني بعنوان: (ما أحوجنا إلى أخرى)، يقول فيها: «إن نصر 73 يعيش في وجدان الإنسان المصري إلى يوم الدين… وسيظل النصر رمزاً لعبور مصر حاجز الخوف والهزيمة..»، وقد هزني حقاً أن عزت السعدني قد ذكر اسم مصر في افتتاحيته اثنتي عشرة مرة من دون أن يأتي على ذكر سورية مطلقاً! وقد استفزني هذا الأمر، فكتبت رسالة لعزت السعدني عنونتها بـ«همسة عتاب في أذن علاء الدين»، أوجزت فيها قصة عائلتنا مع المجلة، وعبرت فيها عن عتبي الشديد على رئيس التحرير لتجاهله تضحيات أشقاء مصر وعلى رأسهم شعب سورية وجيشها، فسورية «كانت شريكاً فعالاً وأساسياً في حرب تشرين التحريرية، الأمر الذي توثقه دماء آلاف الشهداء السوريين!».
ثم أضفت قائلاً: «وما دفعني لكتابة هذه الرسالة لكم هو ثقتي بنزاهتكم ورغبتي في إنصاف الجنود العرب السوريين الذين خاضوا في مرتفعات الجولان أضخم معركة دبابات في تاريخ الحروب الحديثة، كذلك رغبتي في إنصاف الجنود العرب الذين جاؤوا من عدة بلدان عربية ليشاركوا، ولو رمزياً، مع إخوتهم في صد العدوان».
وأضفت: «نحن نعلم أن الكثير من أشقائنا المصريين يعتبرون مصر (أم الدنيا)، وهم يجلونها ويضعون اسمها فوق كل الأسماء، وهذا أمر طبيعي ومفهوم، فمن لا يحب بلده لا يستطيع أن يحب أمته. لكن الحب شيء والتعصب شيء آخر، وأنا شخصياً أعتقد أن أصل كل الشرور في حياة الإنسان هو التعصب، فالتعصب لمن يمعن النظر فيه هو نوع من الحب المتصلب، لا يخضع للمنطق ولا يعترف بقوانين العقل. وأنا شخصياً أخاف التعصب وأنفر منه لاعتقادي بأنه لا يمكن أن يؤدي إلى خير، حتى لو كان ذلك التعصب للوطن الذي نحمله عالياً في قلوبنا».
وختمت رسالتي قائلاً: «لا أخفيكم يا أستاذ عزت أنني سعيد حقاً لأنكم ما تزالون تذكِّرون أطفال مصر الشقيقة بالإنجاز الوطني المهم الذي حققه آباؤهم وإخوتهم في حرب تشرين التحريرية، لكن من يتجاهل البعد القومي لحرب تشرين التحريرية، يخطئ كثيراً، ليس لأن هذا يتنافى مع حقائق التاريخ التي رسختها دماء آلاف الشهداء العرب وحسب، بل لأنه يفقر حرب تشرين ويلغي دلالتها كأول وقفة عز في تاريخ العرب المعاصر، وخاصة أن أي حديث عن بطولة الجندي العربي هو بالضرورة حديث عن بطولة الجندي المصري، فعندما ينطق اللسان باسم العرب تكون مصر دائماً في القلب».
المفاجأة كانت بعد عددين أو ثلاثة عندما ملأ عزت السعدني الحيز المخصص لافتتاحيته بمقاطع من رسالتي وذيلها بتحية لشعب سورية وجيشها واعتذار منهما.
السلام وعطر الياسمين لروح الكاتب الكبير عزت السعدني.