قضايا وآراء

القصة ليست رمانة

| أحمد ضيف الله

الانقسام الحاد في مواقف القوى والأحزاب الكردية بشأن الاتفاق على رئيس جديد كردي لجمهورية العراق ومن ثم تشكيل الحكومة الاتحادية في بغداد، هو في حقيقته انعكاس طبيعي ومنطقي للانقسام القائم في إقليم كردستان منذ عام 2013 حول الإدارة ونظام الحكم وتقاسم السلطة ونهب الثروات في الإقليم، الذي تصاعد مؤخراً بشأن إجراء الانتخابات البرلمانية في الإقليم في الأول من تشرين الأول 2022.

مسعود البارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني كان قد اختير رئيساً لإقليم كردستان لأول مرة في الـ12 من حزيران 2005، ثم أعيد انتخابه مرة ثانية في الـ25 من تموز 2009 لفترة تنتهي في عام 2013.

الأحزاب الرئيسة الأربعة في برلمان الإقليم: الاتحاد الوطني الكردستاني، حركة التغيير، الاتحاد الإسلامي الكردستاني، والجماعة الإسلامية، كانت تطالب خلال تلك الفترة بإجراء تعديل على قانون الرئاسة في الإقليم بتغيير النظام من رئاسي إلى برلماني، وجعل المنصب بروتوكولياً من دون صلاحيات كبرى، كالنظام المعمول به في بغداد، وهو الأمر الذي رفضه الحزب الديمقراطي الكردستاني بقوة، ونجحت في الـ30 من حزيران 2013 في تمرير قانون، حُددت فيه مدة ولاية الرئيس بأربع سنوات، وعدد مرات شغل المنصب بمرتين، مقابل تمديد فترة رئاسة مسعود البارزاني عامين آخرين تنتهي في الـ19 من آب 2015، إلا أن مسعود استمر في السلطة بعد ذلك، رافضاً أي بديل عنه، ما اعتبرته الأحزاب الكردية «مغتصب» سلطة، فرد بمنع رئيس البرلمان يوسف محمد من دخول البرلمان في الـ11 من تشرين الأول 2015 لمزاولة عمله، ما أبقى البرلمان مشلولاً فترة تزيد على العامين، فضلاً عن طرد أربعة وزراء من كتلة «التغيير» من وزاراتهم لمعارضتهم بقاءه في السلطة، ولم يتنح من منصبه إلا مضطراً في الـ29 من تشرين الأول 2017، موزعاً صلاحياته على السلطتين التنفيذية والتشريعية، من دون إلغاء المنصب، بعدما قامت الحكومة المركزية في بغداد بإجراءات حازمة عسكرية واقتصادية، رداً على إجراء استفتاء انفصال الإقليم عن العراق في الـ25 من أيلول 2017.

القوى الكردية الأساسية، كانت قد رفضت نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت على أساس أن الإقليم دائرة انتخابية واحدة في الـ30 من أيلول 2018، متهمة الحزب الديمقراطي الكردستاني بالتزوير، حيث حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني على 45 مقعداً، من أصل 111 عدد مقاعد البرلمان، مقابل حصول حزب الاتحاد الوطني الكردستاني على 21 مقعداً، وحركة التغيير على 12 مقعداً، وحراك الجيل الجديد على 8 مقاعد، والجماعة الإسلامية على 7 مقاعد، وقائمة «نحو الإصلاح» على 5 مقاعد، وتشتت باقي مقاعد البرلمان على القوى الأخرى المشاركة بمعدل مقعد واحد إلى مقعدين.

وفي ظل عودة السجال السياسي مجدداً إلى الساحة السياسية الكردية بشأن نظام الحكم الرئاسي وصلاحياته، وانكسار حالة التوازن في سياسة تقاسم المناصب بين الثقلين الرئيسيين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، شُل عمل البرلمان تماماً.

وضمن أجواء مقاطعة أعمال البرلمان من الأحزاب الكردية الرئيسة، مرر الحزب الديمقراطي الكردستاني مرشحه لرئاسة الإقليم نيجيرفان إدريس البارزاني في الـ28 من أيار 2019 بأغلبية 68 صوتاً من أصل 84 نائباً حضروا الجلسة البرلمانية، ومن ثم التصويت على تشكيلة مسرور مسعود البارزاني الوزارية في الـ10 من تموز 2019، بعد 300 يوم من تاريخ إجراء الانتخابات البرلمانية.

في الـ24 من شباط 2022، أصدر رئيس إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني مرسوماً بتحديد يوم الأول من تشرين الأول 2022 موعداً لإجراء الانتخابات التشريعية في الإقليم، وفيه استحضرت كل الخلافات الكردية- الكردية السابقة، بما فيها الداعية إلى تعديل قانون الانتخابات في الإقليم باعتماد نظام الدوائر المتعددة 4 دوائر بدلاً من نظام الدائرة الواحدة، وإعادة هيكلة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء، حيث يصر الحزب الديمقراطي الكردستاني وحلفاؤه من بقية الأحزاب الصغيرة، كالحزبين الشيوعي الكردستاني والاشتراكي، على إجراء الانتخابات وفقاً لنظام الدائرة الانتخابية الواحدة.

سياسات التفرد الحزبي باتخاذ القرارات، وتوجهات الانفصال عن الوطن الأم لآل البارزاني، ونهب ثروات العراق والتمرد على قرارات الحكومة المركزية في بغداد، أوصلت إقليم كردستان إلى حالة من التشظي والانقسام، معرضة السلم الأهلي وأمن ووحدة الأراضي العراقية والمنطقة للخطر. فالحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني يعتبر الإقليم كأنه تركة حصرية لآل البارزاني، له كامل الحق في إدارته واستثمار ثرواته لمصلحته، متجاوزاً بذلك حقوق الشعب العراقي كله.

إن الخلاف بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وخصمه الاتحاد الوطني الكردستاني، بشأن المرشح الكردي لرئاسة جمهورية العراق و«حكومة الأغلبية الوطنية»، هو أحد انعكاسات أزمات الإقليم السياسية على مدى 19 عاماً، و«القصة ليست رمانة، إنها قصة قلوب مليانة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن