الفقر في الوطن غربة، والغنى في الغربة وطن: علي بن أبي طالب
هذه المقولة صالحة لكل زمان ومكان، فمهما تعددت الأوطان والأزمان والقارات يكن الفقر في الوطن غربة، قاعدة عامة وأنا لا أشكو الفقر-لا سمح الله- وإنما أشكو الغربة في الوطن.
الغربة عندما يكون المرء متمسكاً بوطنه وأرضه وهو لا يملك مجرد متر فوق الأرض أو تحتها، فتتحول حياته إلى جحيم، ومماته إلى عويل و«قلة حيلة» لأن الأرض لا تتسع للأموات، وهي لا تتسع أصلاً للأحياء!.
المضحك المبكي أنني شهدت صراعاً عائلياً شرساً بسبب موت أحد أفراد العائلة، والخلاف يدور حول أين سيدفن الرجل، وكل أسرة تحتفظ لنفسها بحق دفن أفرادها في قبر الأب أو الأم، وربما الجد أيضاً.
صراع اللقمة والرغيف في الحياة لا ينتهي بموت الشخص، بل يستمر إلى ما بعد الموت، وبعد ذلك تأتيك الفتاوى التي تحرم أو تحلل الترحم على الراحل، ولن أخوض في هذه النقطة التي صارت حديث الناس، أو«تريند» كما يقال.
امنحونا حق الموت الرحيم، وحق الموت ونحن لا نخشى على جثاميننا من عدم الحصول على بيتنا الأخير، وربما الوحيد في الأرض، لأن أغلبنا لا يملك بيتاً فوق تراب الوطن، فتتحول مقولة الإمام علي بن أبي طالب من الفقر في الوطن غربة إلى من لا يملك متراً في وطنه يعيش الغربة ولو كان في «حضن الوطن»!
لكن حضن الوطن على وسعه لا يتسع لكل أبنائه الذين غادروه لهذا السبب أو ذاك، لكنه يتسع لآخرين حملوا السلاح وأشهروه في وجوه وصدور المواطنين.
لماذا نسامح من رفع السلاح ولا نسامح من لا يملك إلا الكلمة، ولماذا تكون الكلمة قاتلة في الكثير من الأحيان أكثر من كل الأسلحة؟
متى نعلن نهاية الغربة في وطننا، وأن الوطن فعلاً لجميع أبنائه، فهم أبناء الوطن؟ فهل تفرط الأم أو الأب بالأبناء مهما شاغبوا و«شيطنوا» وعبروا عن ضيقهم وضيق ذات اليد وعتبهم وفقرهم في الوطن لمجرد أنهم لا يريدون أن يشعروا بالغربة في وطنهم؟
الوطن مقصوص الجوانح وهو بحاجة لكل الأجنحة المهاجرة التي أبدعت في الغربة وحملت رسالة الحب والسلام إلى أربع جهات الأرض.
الوطن هو الناس قبل التراب والطين، هو البشر بكل اختلاف أمزجتهم وآرائهم وأفكارهم وأديانهم ومذاهبهم وطوائفهم وأعراقهم، كل ذلك سمة تميز وطننا عن الكثير من الأوطان وتجعل سورية نسيجاً من كل هذه المكونات تباهي به العالم.
لنفتح البوابات الموصدة في وجه كل من يريد العمل من أجل مستقبل ورفعة وبناء سورية الحديثة القوية بتلاحم وتكامل جهود جميع أبنائها، لأننا لا نريد الغربة داخل الوطن ولا خارجه، وهذا أقل ما نطلبه ونتمنى أن يترجم على أرض الواقع، هو مجرد حلم صغير، فهل ستسمحون لنا بأن نحلم؟.