من دفتر الوطن

قوانين الزمن

| عبد الفتاح العوض

سؤال مباشر… هل تتغير الدول مثلما يتغير البشر مع الزمن؟

لنبدأ من تغير البشر.. لو حاول كل شخص الإجابة عن هذا السؤال فإننا سنحصل على ثلاثة احتمالات فقط.. لم أتغير… بلى تغيرت… والاحتمال الثالث تغيرت جزئياً.

الشيء المؤكد أن الأحداث الشخصية الكبرى فقط هي التي تستطيع أن تغير الإنسان.. لعل أبرزها المرض وموت قريب والمال والسلطة. لكن هذه التغيرات إلى جانب أنها مؤقتة لا تستطيع تغيير البشر من الداخل إلا باستثناءات قليلة لأن تأثيراتها تكون صادمة جداً.

لو نقلنا السؤال إلى المستوى الأكبر: ما الذي يغير البلدان والمجتمعات؟ دعنا نلتقط الإجابة الأقرب لنا هي الحروب. وليس هناك أقسى من الحرب التي ذاقت مرارتها سورية على مر السنوات العشر السابقة، وهي التي ندرك أنها مازالت مستمرة بأثواب مختلفة.

لكن هل غيرتنا الحرب؟

ما الذي تغير فينا خلال هذه السنوات وبشكل أوضح: هل أصبحت سورية دولة ومجتمعاً أكثر نضجاً؟

الذي نراه من مظاهر سلبية على كثرتها هي آثار حرب.. لكن ما أسأل عنه: هل استفادت الدولة وهل استفاد المجتمع من الدروس القاسية التي تعلمناها خلال الحرب؟

من المنطقي أن حال البشر والدول على حدٍّ سواء تتغير جوهريا وخاصة في بنيتهم الفكرية ومن ثم في سلوكهم بعد التجارب التي يعيشونها، ورغم أن قلة من البشر لا تظهر عليهم أمارات التغيير نتاج محن أو حتى منح الحياة، إلا أن الأغلبية تدرك أن الحياة كانت معلماً قاسياً، ومن ثمّ من المفترض أن يشعر السوريون أن دروس الحرب ينبغي أن تغير فيهم كثيراً من الأشياء العميقة.

لكن الذي نراه ونلمسه ونعيشه أن كل سنوات الحرب وقسوتها لم تغير فينا شيئاً.. لم نتعلم من دروس الحرب، ولم ندرك أن ما بعدها ليس كما قبلها. وفي هذا خطأ كبير وخطر أكبر.

فإن لم نتعلم من الحرب وويلاتها ولم نتغير بعد كوارثها، فما الذي يمكن أن يعلمنا إذاً؟

صحيح أن مدرسة الحرب عنيفة وقاسية، لكنها معلمة جيدة، فإن لم يتعلم تلاميذها شيئاً فإن المشكلة بهم، وبهم فقط.

سيكون من المفيد أن تبدأ النخب الفكرية والسياسية بدراسة ما الذي تعلمناه من الحرب، وأن يتحول ذلك إلى منهاج جديد ليس على المستوى الحكومي فقط، بل على المستوى الأعم والأهم وهو المجتمع.

مجتمعنا هو الأكثر حاجة لتغيير كثير من مفاهيمه وسلوكياته، لأن التاريخ يعيد نفسه إذا لم يفهمه الناس. يقولون: التاريخ يعيد نفسه للذين يعيدون أخطاءهم.

أقوال:

– فما لي لا أقول ولي لسان، وقد نطق الزمان بلا لسان.

وإنَّكِ يا زمانُ لذُو صروف وإنَّكَ يا زمانُ لذُو انقلابِ.

– يمكنك تعلّم أشياء عظيمة من أخطائك عندما لا تكون مشغولاً بإنكارها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن