قضايا وآراء

ما بعد الانتخابات النيابية اللبنانية: استحقاق أم استعصاء حكومي ورئاسي؟

| بيروت- سماهر الخطيب

مرّت الانتخابات النيابية بسلام، عقب مسار «معقّد» طويل، لم يخلُ من الشوائب، ولم يمرّ من دون إشكالات أمنية وتهديدات واعتداءات، ناهيك عن المخالفات والشكاوى «الفادحة»، بدءاً من حملات «التشكيك» بحصول الاستحقاق في موعده، وصولاً إلى «التحديات» التقنية واللوجستية والتنظيمية وحتى المالية التي أحاطت بالعملية، في ظلّ أزمات متفاقمة عصفت بالبلد، مروراً بالزبائنية السياسية والبروباغندا الدعائية والمنافسة المحتدمة خلال الحملات الانتخابية، مع ما رافقها من مال انتخابي، وحملات تشويهية للمرشحين بعيداً عن طرح أو شرح البرامج الانتخابية لمعظم المرشحين.

انتهى المسار الانتخابي الماراثوني، بنتائج لم تخلُ من «المفاجآت»، خلافاً لكلّ التوقعات والتقديرات المسبقة، حتى إن بعض مفاجآتها بدا «صادماً»، مع خسارة بعض «الرموز» لمقاعدهم، وحصول «خروقات» في مناطق مصنَّفة على أنها «مقفلة»، ناهيك عن دخول «وافدين جدد» إلى البرلمان في أكثر من مكان، وخسارة مقاعد «تاريخية» كانت محسوبة لبعض النواب طوال عقود مضت، الأمر الذي جعل الصورة تبدو مغايرة لما كانت عليه في الانتخابات السابقة، خاصة لجهة الكتل النيابية والتحالفات البرلمانية.

لا شك بأن الانتخابات اللبنانية لم تتم على قاعدة البرامج الإصلاحية، وإنما كانت القاعدة الأساس هي الخيارات السياسية، ووفقاً للنتائج التي سُجلت، فمن الممكن ألا تكون هناك تكتلات تمتلك الأكثرية المطلقة في المجلس النيابي الجديد، بل ربما ستكون هناك مجموعة تكتلات وازنة، ما يعني أن النتائج الحاصلة لن تؤثر على كيفية التوازنات في النظام السياسي اللبناني، خاصة مع تدني نسبة الاقتراع، ويشير البعض إلى عدم قيام الوجوه الجديدة بتشكيل كتلة نيابية واحدة، بل ربما حسب مقربين لتلك الوجوه الجديدة ينضم بعضهم لكتل نيابية أخرى، كما لفتت مصادر نيابية من جهتها، إلى ضرورة التمييز بين من هم من النواب الحزبيين الملتزمين الذين تم ترشيحهم بقرارات مباشرة من قياداتهم، وأولئك الذين من المحتمل أن يتوافقوا على تشكيل تكتلات نيابية، ستغير في خريطة المجلس النيابي الجديد عند إجراء عملية التوزيع والتصنيف للكتل النيابية، بحيث يكون ممكناً على سبيل المثال التوافق بين نواب «الكتائب» وهم أربعة، مع النواب المستقلين السابقين الذين عادوا مجدداً إلى المجلس وترشحوا باسم القوى التغييرية، لتشكيل تكتل جديد يوازي بحجمه تكتلي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر.

في وقت قد يكون من المبكر فيه الحكم على نتائج التكتلات التي ستولد من هذه الانتخابات، إلا أن المطلوب اليوم، وقبل طيّ صفحة الانتخابات بالمطلق، للتفرغ للاستحقاقات والتحديات الكبرى التي تنتظر البرلمان الجديد، المطلوب قراءة النتائج بتمعن، لأن ما بعد 15 أيار ليس كما قبله.

إزاء ذلك، قد يكون من المفيد الالتفات إلى أن أي استنتاجات وخلاصات تبقى أولية حتى إثبات العكس، لأن النتائج التي تحقّقت في هذه الانتخابات تحتاج من كلّ الأحزاب، سواء التقليدية منها أم تلك التي توصف بـ«التغييرية»، إلى وقفة تأمّل مع الذات، في محاولة لاستخلاص الرسائل التي وجّهها الشعب، والتي قد تنطوي على «امتعاض» من الجميع، ضدّ الجميع!

إنّ الوضع السائد الآن، هو حالة من الترقب لما ستؤول إليه الأوضاع في لبنان لمرحلة ما بعد الانتخابات، حيث سيواجه البرلمان الجديد استحقاقين الأول حكومي والثاني رئاسي.

أولى الخطوات التي ستكون بعد الانتهاء من إعلان الفائزين هي أن يقوم أكبرهم عمراً، بدعوة المجلس الجديد للانعقاد وحكماً سيوجه هذه الدعوة رئيس المجلس الأسبق نبيه بري، باعتباره الأكبر عمراً، لتكون الجلسة الأولى مهمتها اختيار رئيس للمجلس مع نائبه وأمين السر، وحول هذا الموضوع يرجّح مراقبون أن يكون برّي هو رئيس المجلس لدورته الجديدة، وهذه التسمية مشروطة بعدد النواب الذين سيقومون بتسميته، وهنا يمكن تفنيد من سيقوم بتسميته وهم: نواب الطاشناق الثلاثة، ونواب الحزب التقدمي الاشتراكي التسعة، باعتبار وليد جنبلاط حليف قديم لبري وحكماً نواب حركة أمل وعددهم 15 نائباً ونواب حزب اللـه الـ16، ونواب التيار الوطني الحر الـ17 في حال قام بعمل اتفاق ما معهم وفق مقربين، إضافة إلى نواب آخرين مثل فريد الخازن وجهاد الصمد وفراس السلوم وحسن مراد ونواب المردة والأحباش وتيار المستقبل، وإذا ما تمّ، وفق مراقبين، الحصول على تلك الأصوات فإن هناك ما يقرب من 75 نائباً سيصوت لصالح تسمية نبيه بري رئيساً لمجلس النواب مرة جديدة، وفي حال عزوف نواب المستقبل عن تسميته وعددهم ستة، فإنه سيحصل على 69 صوتاً، هذا في حال لم يتغير في تلك المعطيات شيء.

إنّ من أولى المهام المنوطة بالبرلمان المنتخب تشكيل حكومة جديدة، ووفقاً للدستور اللبناني، تعتبر الحكومة مستقيلة عند بداية ولاية مجلس نواب جديد، وتصبح حكومة تصريف أعمال، في حين يواجه البرلمان اللبناني الجديد استحقاقاً رئاسياً، لأن ولاية الرئيس اللبناني الحالي العماد ميشال عون تنتهي في 31 تشرين الأول 2022.

وتنص المادة 69 من الدستور اللبناني على أن الحكومة تعتبر مستقيلة إذا:

• استقال رئيسها.

• إذا فقدت أكثر من ثلث عدد أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها. • بوفاة رئيسها.

• عند بدء ولاية رئيس الجمهورية.

• عند بدء ولاية مجلس النواب.

• عند نزع الثقة منها من قبل المجلس النيابي بمبادرة منه أو بناء على طرحها الثقة.

وحسب المادة ذاتها عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة، يصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية، حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة.

ويتخوف مراقبون من صعوبات قد تواجه مسار تشكيل حكومة جديدة في لبنان خاصة أن تجارب لبنان تؤكد أن تشكيل الحكومات ليس بالأمر السهل، حيث تم تشكيل الحكومة اللبنانية الحالية برئاسة نجيب ميقاتي في أيلول 2021، وبعد 13 شهراً على استقالة حكومة حسان دياب في آب 2020، وبعد أن إخفاق سعد الحريري في تشكيل حكومته الذي استمر في مهمة التكليف 9 أشهر واعتذر في تموز 2021، وقبله أيضاً مصطفى أديب الذي اعتذر عن مهام التكليف أيضاً في أيلول 2020.

كما يتخوف المراقبون من عقبات قد تواجه البرلمان الجديد في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وذلك انطلاقاً من التجارب اللبنانية على هذا الصعيد، حيث انتخب الرئيس الحالي العماد ميشال عون رئيساً للبنان عام 2016 بعد فراغ رئاسي استمر 29 شهراً وبعد تسوية بين الفرقاء اللبنانيين.

ولا يخفي مراقبون للشأن اللبناني مخاوفهم من فراغ حكومي بحيث يكون المشهد أكثر تعقيداً في حال انتهاء ولاية الرئيس قبل التوصل إلى تشكيل حكومة جديدة، خاصة أن الدستور اللبناني يعطي مهام تسمية رئيس الحكومة الجديدة لرئيس الجمهورية، وتنص المادة 53 من الدستور «يسمّي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها».

ويشدد مراقبون على أهمية الإسراع في تشكيل حكومة قبل انتهاء ولاية الرئيس اللبناني في تشرين الأول القادم، لأنه في حال انتهاء صلاحية الرئيس اللبناني دون الإعلان عن حكومة جديدة تقع البلاد في مأزق دستوري، لأنه وفي حال خلو سدة الرئاسة لأي سبب كان، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء وفقاً للمادة 62 من الدستور.

إلا أنه من الضروري للبنان بعد الانتهاء من الانتخابات النيابية أن يتم تشكيل حكومة جديدة إنفاذاً للدستور اللبناني، وسط مخاوف من عقبات قد تواجه مسار تشكيلها خاصة وأنّ نتيجة الانتخابات النيابية الحالية هي التي ستقرر وجود حكومة من عدمه، كذلك مخاوف في الأوساط السياسية من التعطيل إذا لجأت القوى السياسية المتضررة من تشكيل الحكومة وأرادت الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال لشل البلاد.

وقد أثبتت التجارب السابقة منذ «الطائف» حتى اليوم، إخفاق هذا النظام الطائفي في ضبط أمن واقتصاد البلاد ما يجعل من الضروري على الجميع إعادة التفكير بالحسابات الجديدة وكذلك إعادة صياغة وضبط الحسابات القديمة لتكون قراءة نقدية لمسارها وملائمة للمواجهات والصدامات التي سيفتعلها معظم الأفراد ومن وراءهم من داعمين دوليين لتشويه المشوه في لبنان، وبالتالي تحويل التهديد إلى فرصة، ومن الضعف قوة، لإعادة هيكلة مؤسسات باتت مهترئة ومتشرذمة.

يبقى الحل الأنسب لكل تلك المشكلات هو مؤتمر تأسيسي جديد يذهب إليه جميع اللبنانيون ينسفون عبره ذاك الثوب الطائفي الممزق ويحددون خيارهم من تلك التدخلات الخارجية ومحاسبة جميع من ساهم بإغراق اللبنانيين في هذا المستنقع المعيشي البائس، بعد أن كان نموذجاً في بناه التحتية، وصرحاً شامخاً من صروح التعليم والعلاج والثقافة والفن والإعلام والاقتصاد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن