كل الأشياء تشترى بالمال إلا الحب والاحترام والوفاء فهو نتاج المواقف الطيبة، وإذا كان هذا طبيعة العلاقات بين البشر، فإنه من المؤكد أن ذلك ينطبق على العلاقات بين الدول، وإن كانت المقولة السائدة هي أن لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة في السياسة.
على مدى اليومين الماضيين، شهدت دمشق حدثين يستحقان التوقف عندهما مطولاً، خاصة لمن واكب مجرياتهما وسمع ما سمع من كلام للضيف الزائر عن سورية وحبه لها، وعن جمالها ووفاء دمشق لكل العرب، الحدثان هما انعقاد المؤتمر الخامس لاتحاد الجاليات والمؤسسات والفعاليات الفلسطينية في الشتات-أوروبا، والثاني زيارة لجنة الأخوة البرلمانية السورية – الموريتانية.
في الحدث الأول كان تأكيد على أن دمشق هي الركيزة والقاعدة الأساس لمحور المقاومة، والداعم الرئيس للقضية الفلسطينية ومقاومتها، خاصة أن تلك المقاومة نشأت على الأرض السورية وانطلقت منها في منتصف ستينيات القرن الماضي، بل إن القائد المؤسس حافظ الأسد اعتبر فلسطين جزءاً من سورية حينما قال: «إن فلسطين ليست جزءاً من الوطن العربي وحسب، وإنما هي الجزء الأساسي من جنوب سورية، ونحن أيضاً نرى أن من حقنا ومن واجبنا ولا نستطيع أن نتنازل عن الحق ولا نتخلى عن الواجب، نرى من حقنا ومن واجبنا أن نصمم على أن تبقى فلسطين جزءاً محرراً من وطننا العربي ومن قطرنا العربي السوري».
وسورية اليوم كما كل يوم ومناسبة، تؤكد الترابط المصيري بينها وبين القضية الفلسطينية، ذاك الترابط الذي أكد عليه الرئيس بشار الأسد خلال لقائه أعضاء الأمانة العامة لاتحاد الجاليات الفلسطينية في الشتات- أوروبا حين اعتبر أن علاقة سورية مع القضية الفلسطينية وارتباطها بها هي ارتباط صميمي ليس فقط من الناحية الجغرافية أو العقائدية وإنما أيضاً لجهة المصالح، لذلك فإن أي نجاح لهذه القضية هو نجاح لسورية، وكما أكد الرئيس الأسد دائماً أن أبواب سورية مفتوحة للمقاومة الفلسطينيّة، وهي في صلب محور المقاومة ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي سياسياً وعسكرياً، جدد لأعضاء المؤتمر أن أبواب سورية ستظل مفتوحة لتقديم المساعدة والدعم لكل من يعمل من أجل استعادة الحقوق الفلسطينية.
موقف سورية من فلسطين وقضيتها ليس بالجديد أو الغريب، فهي البوصلة لكل مواقفها، وبصماتها كانت حاضرة في كل موقف وعملية بطولية للمقاومة ضد العدو الصهيوني، الأمر الذي أكده قائد حركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة بقوله في أيار 2012 قائلاً إن الصاروخ الأول المضاد للدروع الذي أطلقته «سرايا القدس» باتجاه مركبة صهيونية قرب غلاف غزة، حصلت عليه المقاومة بدعم من سورية، وإن الصاروخ نفسه انتقل إلى غزة من سورية.
مواقف دمشق تلك، أثمرت وفاء وحباً في قلب كل مواطن فلسطيني وعربي شريف، الأمر الذي دفع بأعضاء اتحاد الجاليات لعقد مؤتمره مرة ثانية بدمشق، إذ شدد رئيس الأمانة العامة للاتحاد راضي الشعيبي على أن انعقاد المؤتمر في دمشق وحضور أكثر من 96 شخصية فلسطينية تحمل جنسيات أوروبية وأميركية، هو دعم لسورية، وتأكيد على الوقوف مع القائد المنتصر الرئيس الأسد والقيادة السورية في مقاومتها، وتحد للحصار الأوروبي الجائر المفروض على سورية.
وفي الحدث الثاني، يبرز فيض حب الوفد النيابي الموريتاني الذي يزور دمشق، حباً لدمشق المقاومة والعروبة، بدا جلياً في كلام رئيس لجنة الأخوة البرلمانية السورية – الموريتانية النائب المصطفى الداه صهيب حينما قال: «إن الوفد الموريتاني حضر إلى سورية باسم الشعب الموريتاني للتعبير عن حبه لسورية العظيمة ودعماً لهذه الدولة العريقة، نزلنا في ثلاثة مطارات حتى وصلنا إلى دمشق لنعبر عن حبنا وتقديرنا لسورية قيادة وشعباً وجيشاً، وسورية لها دين على كل مواطن عربي وطوقت أعناق العرب بوقوفها معهم، وهي لم تبخل يوماً من الأيام على أي دولة عربية ولا على أي مقاوم عربي، ولا على أي مقاومة، بخيراتها وكانت مكاناً للمقاومين».
أحد عشر عاماً، ومنذ بداية الحرب الإرهابية عليها، دفعت سورية بالنار والدم، وكل أشكال الحصار والإرهاب، ثمن موقفها من دعم فلسطين والمقاومة، وهي مؤمنة بقناعاتها وسياستها المبدئية، لسبب بسيط هو إيمانها بأنّ كلفة الاستسلام والخضوع والتنازل عن الحق أعلى بكثير من كلفة دعم المقاومة.