من دفتر الوطن

ألا هل بلَّغت؟!

| فراس عزيز ديب

في دراسةٍ أجراها مركز الدراسات الصحية في إقليم الوسط الفرنسي ونشرتها إحدى الصحف المحلية بعنوان: (المُستقبل الصحي الغامض!)، أكد أن نسبة كبيرة من الأطباء العامّين في هذهِ المقاطعة تجاوزوا سنَّ السابعة والخمسين، أي إنهم عملياً على بعدِ خمس سنواتٍ فقط من سن التقاعد، ما يعني أن الإقليم كما غيرهُ من الأقاليم التي تشكل الأراضي الفرنسية سيعاني على المدى القريب من النقصِ الحاد في الأطباء، الدراسة أكدت وجودَ أطباء بلغوا فعلياً سن التقاعد لكنهم فضلوا البقاء في العمل رغم الراتب التقاعدي الدسم الذي يتقاضونهُ لأنهم لم يشاؤوا تركَ مرضاهم بلا بديلٍ لعدمِ توفره، مع العلم هنا أن الطبيب العام هو نقطة العبور الأولى التي يجب على أي مريضٍ المرورَ فيها قبل تحويلهِ إلى طبيبٍ مختص حسب الحالة أو المشفى، وإذا لم يمر عبرَ الطبيب العام فإن التأمين الصحي لا يقوم بتعويض المريض عن النفقات المرتبطة بالاستشفاء، هذه القصة تُضاف إلى النقص الحاد الذي تعاني منه فرنسا أساساً في الكثير من التخصصات الطبية التي تتطلب في بعض الحالات انتظار أشهر للحصولِ على موعدٍ هي أشبهَ بناقوسِ خطرٍ، لكن ليسَ للفرنسيين فقط.

تُشير الإحصائيات غير الرسمية إلى أن عددَ الأطباء السوريين في ألمانيا تجاوز الخمسة آلاف طبيب، أما في فرنسا وإن لم تكن هناك أرقام دقيقة إلا أنني أعتقد أن الرقم هو ضعف من هم في ألمانيا لأسبابٍ كثيرة أهمها أن فرنسا أساساً كانت وجهة موثوقة حسب الاتفاقيات الموقعة بين الحكومتين السورية والفرنسية لإرسال الأطباء السوريين إليها لمتابعةِ تحصيلهم العلمي، هذهِ الأرقام حُكماً تستثني الفرنسيين من أصول سورية ممن وُلدوا وترعرعوا في فرنسا، هذا يعني أن كل ما تم استثماره من الدولتين الأغنى في أوروبا في عمليات تسهيل عبور اللاجئين وكان آخرها الاستثمار في اللجوء الأوكراني أو إعطاء تسهيلاتٍ للمقيمين لم تنجَح في تخفيضِ النقص، لدرجةٍ باتَ فيها من يطالب وزارة التعليم العالي الفرنسية مثلاً بإعادة النظر في آلية الامتحان السنوي المخصص لدخول الكليات الطبية، لمضاعفةِ عدد المقبولين وسد النقص على المدى الطويل.

دائماً ما نتفق على فكرةِ أن الرقم لا يكذب، هذه الأرقام التي ينشرها خصومنا عن مشكلات سيعانونها يجب ألا تمر مرور الكرام لسببين أساسيين:

السبب الأول، هو رسالة لمن يريد أن يتعلم في معاني امتلاك مراكز دراسات وإحصاءاتٍ مستقلة تعمل خارج السيطرة الحكومية وتقوم بنشر نتائج دراساتها من دون رتوش، لأنها الحل للقضاء على مهنة «التبييض» التي يمارسها من لا عمل له.

السبب الثاني هو تحذير لكل الدول التي تشكِّل الهجرة فيها هاجساً لشبابها ولعل سورية في المقدمة، إن لم نسارِع بحماية ما تبقى لدينا من كوادرَ طبية فالنتيجة ستكون بتعويضِ هذا النقص بهم، هو جرس إنذار مبكِّر يطلب منكم وضع العبارات المعتادة من قبيل (من لا يرد البقاء فليرحل.. من لا يرد خدمة بلده فليذهب) جانباً لأنه ليس وقت التنظير، هناك من يخطِّط منذ الآن لعقودٍ إلى الأمام فمتى نتعلم؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن