يبدو أن العقد الثاني من الألفية الثالثة لم يأت كما تشتهي السفن الأميركية، فعند بداية الألفية كانت الولايات المتحدة متفردة في السيطرة على العالم كقطب أوحد، لكنها أصبحت الآن تواجه قوى صاعدة أخرى تعمل على تحويل النظام العالمي من نظام القطب الواحد إلى نظام متعدد الأقطاب، ولعل الحرب على سورية وحرب أوكرانيا خير دليل على هذا الصراع.
لكن يبدو أن الولايات المتحدة لا تواجه تغييراً على الصعيد الخارجي فقط بل هناك تغييرات كثيرة يمر بها الداخل الأميركي قد تؤدي إلى تغير في أساسيات الفكرة الأميركية.
تمر أميركا الآن حسب رأي الكثير من المراقبين بعصر التشاؤم، فهو موجود في مستويات عدة.
هناك تشاؤم بين المحافظين في كل المؤسسات من المدرسة إلى البنتاغون، وهناك تشاؤم ضمن الأميركيين من أصول إفريقية الذين يعانون منذ زمن طويل من العنصرية الممنهجة، كما أن هناك تشاؤماً واضحاً لدى الطبقة الوسطى العاملة البيضاء لأن البلاد والقيم التي تعودوا عليها منذ أجيال اختفت بسبب النخبة المتعجرفة التي تنظر اليهم بازدراء، وتظهر البيانات بالأرقام ازدياد الشعور بالتشاؤم في السنة الأخيرة مقارنة بالعام 2012، ففي ذلك العام توفي نحو 41 ألف شخص بسبب الجرعة الزائدة من المخدرات في حين وصل عدد الوفيات، بالسبب نفسه في السنة الأخيرة إلى مئة ألف شخص، وارتفعت عدد جرائم القتل في السنة الأخيرة بنسبة 47 بالمئة عن العام 2012.
ينطبق الحال نفسه على الاقتصاد حيث سجلت الولايات المتحدة في القرن الواحد والعشرين ازدياداً في ثروات الأغنياء على حساب الفقراء، مع أن العمل أصبح أقل، وأدى هذا إلى زيادة نسبة الوفيات من البيض متوسطي العمر بسبب الانتحار أو تعاطي المخدرات، وقد يكون السبب الأساسي في هذا هو انتقال رؤوس الأموال والمعامل الأميركية الكبرى للعمل خارج الولايات المتحدة ما حول العمال الأميركيين إلى عاطلين عن العمل، مشكلة حاول الرئيس السابق دونالد ترامب حلها من خلال إعادة الشركات والمعامل الأميركية الكبرى للعمل في الولايات المتحدة مطبقا «الانعزالية الجديدة».
ليست السياسة بعيدة كذلك عن التشاؤم إذ يرى الكثيرون أن أميركا تفتقر إلى طبقة سياسية قادرة على حل مشكلات المجتمع، فهي لم تنتج منذ زمن رئيساً له كاريزما كالرئيس جون كينيدي والرئيس فرانكلين روزفلت، صاحب برنامج «نيو ديل» الذي أنقذ أميركا من الكساد الكبير. من ناحية أخرى يرى الكاتب بريت ستيفنز في صحيفة «نيويورك تايمز» أن «مشكلات أميركا ليست سهلة لكنها قادرة على تخطيها فهي ليست كالصين وروسيا اللتين لا تتحدثان عن مشاكلهما».
عندما اجتمع الآباء المؤسسون لكتابة الدستور وانشاء النظام السياسي الأميركي، حاولوا أن يبتعدوا كل البعد عن النظم السياسية الأوروبية التي كانت في نظرهم نظماً أوتوقراطية، فهم أرادوا نظاما ديمقراطيا يكون فيه الشعب الأميركي هو الأساس، لكن بعد إنشائه بأربعمئة عام، يبدو أن الشعب الأميركي لم يعد أساس النظام، فهل ستستطيع الولايات المتحدة العودة إلى سابق عهدها؟ أم إن سياسييها نجحوا في قتل الحلم الأميركي؟