قضايا وآراء

عندما يُغتال الشهيد مرتين وثلاثاً

| محمد نادر العمري

شهدت الأيام السابقة على مستوى النظام الدولي تطورات لافتة على الأصعدة المختلفة السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية والصحية منها، سواء من حيث استمرار التجاذب والصراع والكباش الدائر في أوكرانيا، وصولاً للجمود الذي يعتري طريق العودة للاتفاق النووي الإيراني، مروراً بانسداد الأفق السياسي والاقتصادي اللبناني بعد نتائج الانتخابات البرلمانية التي تحمل مخاطر دخول لبنان في فراغ حكومي ورئاسي كبيرين، بالتزامن مع التصلب الذي يعتري الموقف الصيني من أطماع الغرب الجيو إستراتيجية، مع تغير طبيعة التحالفات واتساع دائرة مخاطر الفوضى العارمة، ولاسيما مع إعلان كل من السويد وفنلندا قرارهما الانضمام لحلف الشمال الأطلسي.

وسط هذه التطورات برز خبران مؤلمان على مستوى خريطتي الجغرافية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وسورية الجريحة، هذان الخبران قد يبدوان للبعض أنهما منفصلان عن بعضهما، وكل منهما أخذ حيزاً من الاهتمام والتداول الإعلامي الجماهيري بشكل كبير ولكنه غير متساو، ولكنهما من حيث الجوهر يعبران عن حقيقة واحدة هي أن الإرهاب في المنطقة والعالم وسيلة كل مستعمر وطاغٍ يفتقد شرعية الوجود.

حيث تزامن إحياء الشعب الفلسطيني للذكرى الرابعة والسبعين للنكبة التي سلبت حقوقهم وأرضهم وشردتهم، مع الذكرى الأولى لمعركة «سيف القدس» التي غيرت من معادلة الردع في الصراع الدائر مع الكيان وجيشه المحتل عبر المقاومة التي استطاعت كشف زيف كل الادعاءات العنكبوتية المتمثلة بتفوق هذا الكيان الغاصب، ولكن ليس هذا الحدث المراد الإضاءة عليه رغم أهميته، الحدث يكمن فيما حصل خلال هذه الفترة من أهداف اغتيال الإعلامية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة ومحاولة تغييب حقيقة وهوية قاتلها، والاعتداءات التي طالت جنازة تشيعها، من التهديد الذي وجه لأهلها لعدم رفع العلم الفلسطيني ومنع إذاعة الأغاني الوطنية وحرمان البعض منهم من المشاركة في مراسم التشيع، وتضييق الخناق على الفلسطينيين الراغبين في المشاركة بهذه المراسم، تزامناً مع الاعتداء والتطاول الذي مس حرمة التابوت حيث كاد يقع من أيدي المشاركين الذين تعرضوا أمام عدسات الكاميرات لأبشع صور الإهانة والضرب، وقداسة الكنيسة التي فقدت عذريتها باستباحة المئات من عناصر الشرطة الصهيونية وكلابهم، فضلاً عن استباحة المشفى الفرنسي الذي يعتبر امتداداً لنفوذ الفاتيكان الذي يدخل ضمن رعايته.

أيام قليلة على المواقف الإعلامية والتصريحات الرنانة من المطالبة بالتحقيق ومحاسبة مرتكبي الجريمة الأولى، سارع الكيان الصهيوني لإرسال رسالة واضحة المعالم لا تحتاج الكثير من التفسيرات، مضمونها أن هذا الكيان ومؤسساته الأمنية والسياسية لا يأبه بأي تهديدات وضغوطات دولية، وسياسية التمييز العنصري، الأبارتايد، التي انتهجها من دون خوف بدعم غربي عبر منظماته الصهيونية حتى قبل قيام الكيان حتى اليوم، هي مستمرة في ظل استمرار الغرب بممارسة العهر السياسي المتمثلة بعدم محاسبة هذا الكيان وتقديم كل أشكال الدعم له.

الرسالة هذه تمثلت في احتجاز جثمان الشهيد وليد الشريف، ومن ثم اجتياح مقبرة المجاهدين واستهداف مراسم جنازته والمشيعين بكل أشكال الضرب والاعتقالات، في سلوك يعبر عن الوجه الحقيقي لهذا الكيان المغتصب وفي محاولة من حكومته التي يترأسها نفتالي بينت، لتنفيس بعض أزماتها الداخلية بعد وصولها إلى حافة الانهيار الوشيك والمتوقع.

إما على مستوى الخريطة السورية لم يكن الأمر أفضل حالاً، حيث شهد يوم الجمعة الفائتة والذي يمكن تسميتها «بالجمعة الحزينة»، جريمتين مدويتين لا تقلان خطورة ولا بشاعة عن مثيلاتهما في الأراضي المحتلة، في الصباح، عشرة نجوم ارتقوا للسماء نتيجة غدر المجموعات الإرهابية التابعة للنظام التركي التي لم تكتف بذلك بل سارعت لاستهداف مراسم تشييع هؤلاء الشهداء، قبل أن تلحق بهم قافلة نجوم الليل الذين سقطوا وهم يدافعون عن سيادة أرضهم أمام عدوان إسرائيل، أقل ما يمكن وصفه بأنه يمثل «اشتباك جس النبض» أو كشف القدرات، نتيجة لطول مدته الزمنية التي تجاوزت 41 دقيقة، ولنوعية الصواريخ والأماكن المستهدفة وبتوقيت كان يراد منه معرفة توجهات محور المقاومة بعد الزيارة الأخيرة للرئيس بشار الأسد لجمهورية إيران الإسلامية ولقائه المرشد الإيراني بحضور قائد فيلق القدس ورئيس الجمهورية.

من خلال ما تقدم من استعراض الحدثين المنفصلين جغرافياً والمترابطين عضوياً يمكن رسم المشهد ووضع النقاط على الحروف وفق التالي:

– اغتيال الإعلامية شيرين، بغض النظر عن القناة التي تعمل بها، ومعرفة موقف السوريين من هذه القناة، إلا أنه يعبر عن استهداف من يدافع وينقل حقيقة ما يجري من سياسات إجرامية عنصرية في الأراضي المحتلة، وهدفه أيضاً إشعال فتنة دينية داخلية، ومن قام في استهداف القوات السورية والقوات الرديفة التابعة لها، يحاول استهداف من يؤدون واجب حماية الأراضي السورية ومن يقومون بكل طاقاتهم وإمكاناتهم رغم كل الاستنزاف بالتصدي لأي اعتداء صهيوني، فضلاً عن سعيهم لاستهداف النسيج الداخلي.

– التفاعل الشعبي في الحدثين كان كبيراً وهو يعبر عن التمسك بالانتماء والهوية الوطنية في فلسطين المحتلة وسورية المقاومة.

– الكيل بمكيالي الإعلام والمواقف، حيث شكلت قضية اغتيال الشهيدة شيرين محط اهتمام منابر الإعلام الدولي وساسته، وإن كان اهتماماً شكلياً لن يعدو أكثر من ذلك ولن تكون له أي ترجمة من حيث محاسبة مرتكبي هذه الجريمة، فهذا الإعلام والساسة الدوليون في المقابل تجاهلوا حقيقة استمرار وجود الإرهاب في سورية والممارسات الإرهابية التي يتعرض لها السوريون، وغض نظرهم عن الاعتداءات الصهيونية المتكررة عليها.

– النقطة الأهم والأبرز أن الذي قتل شيرين والشهداء الفلسطينيين بمختلف مجالاتهم وأعمارهم وأجناسهم وأديانهم، زرعوا وأوجدوا بقرار غربي في المنطقة وهو ذات القرار والغطاء السياسي والعسكري والمادي الذي أوجد الإرهاب في الجغرافية السورية والذي اغتال كوكبة من العلماء والضباط والأكاديميين والإعلاميين وغيرهم، لذلك هم اغتالوا الشهداء بهذا الدعم واغتالوهم بقتلهم ويغتالونهم بتغييب الحقيقة وعدم محاسبة الجناة الحقيقيين، وبالتالي فإن مصاب الإرهاب من فلسطين المحتلة لسورية الجريحة هو واحد ولن يزول إلا بالمقاومة والمقاومة وحدها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن