ثقافة وفن

«تاريخ العمارة في سورية القديمة» من وجهة نظر تاريخية آثارية

| مايا سلامي

صدر عن وزارة الثقافة- المديرية العامة للآثار والمتاحف كتاب بعنوان « تاريخ العمارة في سورية القديمة»، تأليف الدكتورة علا المهدي التونسي، يقع في 254 صفحة من القطع الكبير، ويهدف الكتاب إلى تسليط الضوء على الدور الحضاري الكبير الذي مارسته سورية من خلال البحث في تاريخها المعماري منذ نشوئها حتى نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، فقد نشأت خلال العصور التاريخية الباكرة ملامح وتقاليد حضارية يبرزها تخطيط المدن المنتظم وتطور العمران بشكل عام ونشوء طرز معمارية متنوعة وخاصة بها ميزت تحصينات المدن فيها والأبنية السكنية. ويعنى هذا الكتاب بشكل مباشر بالعصر الحجري النحاسي المتأخر وعصر البرونز الأمر يسمح بتوثيق جانب مهم من جوانب الهوية الحضارية الخاصة والمميزة لسورية القديمة.

الدلائل الأولى

يتحدث الكتاب في البداية عن الدلائل الأولى لظهور العمارة بالمواد الصلبة التي ترجع إلى العصر الكباري أي نحو 15000 قبل الميلاد (نهاية العصر الحجري القديم) إذ جاءت الدلائل من مختلف الأماكن في سورية القديمة على عمارة بسيطة منها مثلاً كوخ صغير بقطر 5م في موقع عين جيف في فلسطين، وتقول الكاتبة إنه: « قام الإنسان القديم بحفر خندق لاستقبال هذا الكوخ نصف المطمور بالأرض ودعمه بجدار استنادي مبني من الحجر على ارتفاع 40 سم. ثم ظهرت التجمعات السكنية الأولى نحو عام 12000 قبل الميلاد وهي عبارة عن قرى صغيرة ترجع للعصر النطوفي، وكانت منازل القرى النطوفية دائرية الشكل نصف مطمورة في الأرض وصغيرة المساحة لا تتجاوز 20 متراً مكعباً كقرية الملاحة التي بني فيها جدار داعم من الحجر بارتفاع متر واستخدم فيها الخشب لإنشاء العوارض والأعمدة أو كالمنازل المكتشفة في موقع المريبط على الفرات في سورية».

نهضة عمرانية

تستعرض الكاتبة هنا النهضة العمرانية الأولى التي بدأت في سورية ومناطق أخرى من الشرق الأدنى القديم خلال نهاية الألف الخامس وبداية الألف الرابع قبل الميلاد وظهرت معها أولى ملامح المجتمع المعقد المترافق مع اتساع في الاستيطان، ويعد تل براك (مثلث الخابور) وتل حمام التركمان ( في وادي البليخ) وتل حمو كار (حوض الخابور) من أهم مواقع هذا العصر.

وتكشف الدكتورة علا عن أهمية العمارة ودرجة التطور الذي وصلت إليه في موقع « تل براك» الذي يقع في حوض الخابور الأعلى شمال شرقي سورية وهو أحد أكبر التلال في هذه المنطقة، حيث تذكر: «يصنف الاستيطان المؤرخ ببداية الألف الرابع قبل الميلاد في تل براك كمدينة بسبب وجود عمارة ضخمة فيه فضلاً عن التخصص في وظائف أبنيته كالورشات الحرفية التي لا تقتصر فقط على المنازل وبسبب العثور أيضاً على أبنية رسمية إدارية متخصصة بإدارة وتخزين وإعادة توزيع الحبوب تدل جميع تلك المؤشرات على أن هذا الاستيطان مدني الطابع على الرغم من أن التنقيبات لم تظهر كامل قطاعات المدينة ولا تنظيمها بشكل كامل».

المدن الإكليلية

وتعرف الدكتورة علا في كتابها هذا بالمدن الإكليلية التي نشأت في المنطقة الشرقية من سورية وهي عبارة عن مستوطنات دائرية الشكل لها أسوار مضاعفة متوازية متحدة المركز ظهرت في المناطق الجافة وشبه الجافة بين نهري البليخ والخابور في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد. وتشير الكاتبة إلى التنظيم العمراني الخاص بهذه المدن: « تتألف المدن الإكليلية من مدينة مرتفعة ومدينة منخفضة محيطة بالأولى ومحاطة بدورها بتحصينات وبأنها مدن مسبقة التخطيط وتخدمها شبكة من الشوارع الدائرية والشعاعية تتلاءم مع تخطيط المدينة الدائري، إذ تتألف شبكة الشوارع في تلك المدن من جادات دائرية مرتبطة بشوارع على شكل نصف قطر (شكل شعاعي) تصل بين مركز المدينة ومحيطها وتتسم عمارتها المشيدة بالحجر بالضخامة وقد كان الاستيطان فيها غالباً مترافقاً مع نوع خاص من الفخار يطلق عليه اسم (الفخار المعدني)».

ومن أهم المدن الإكليلية: مدينة أبارسال (تل خويرة)، مدينة نابادا (تل بيدر)، مدينة ماري (تل الحريري).

قصر إبلا

في هذا الجانب تذكر الكاتبة الفن المعماري الذي شهده القصر الملكي في إبلا العائد للألف الثالث ق. م وكشفت عنه التنقيبات الأثرية في عام 1973م، وهو مبنى ضخم تقدر مساحته بـ20000 متر مكعب بني باللِّبن وحفظت جدرانه على ارتفاع 7م، انتظمت أقسامه حول باحة كبيرة تسمى باحة الاستقبال ولكن مخطط القصر غير مكتمل بسبب تعرضه للانجرافات ويتألف القطاع الرئيسي في القصر من باحة الاستقبال المربعة وهي مروقة من الجهتين الشمالية والشرقية ومجهزة بمصطبة من اللِّبن مبينة بشكل ملاصق للجدار الشمالي للباحة يعتقد أنها قاعدة للعرش الملكي، وإلى الشمال من باحة الاستقبال يوجد جناح التخزين المؤلف من العديد من الغرف وإلى الشرق من هذه المنطقة يوجد جناح أطلقت عليه البعثة مجازاً اسم (الجناح المركزي)، أما في الجزء الشرقي من باحة الاستقبال فهناك درج ضخم ذو درجات من البازلت يصعد على منحدر الأكربول نحو 6 م إلى غرف في الأعلى لم تعد موجودة اليوم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن