لا يبدو أن هناك أي انفراجة قريبة في المشهد السياسي العراقي الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، لعقم الحلول والمبادرات المقدمة لتفكيكه، لاسيما مع تمسك التيار الصدري بحكومة «الأغلبية السياسية»، والإطار التنسيقي بحكومة «توافقية».
المبادرة التي أطلقها الإطار التنسيقي في الـ3 من أيار الجاري، والأخرى التي أعلن عنها مقتدى الصدر في الـ4 من الشهر ذاته، تتجلى عدم الجدية فيهما بالطريقة المتبعة في مخاطبة النواب المستقلين عبر البيانات أو التغريدات أو المقابلات الصحفية، من دون توجيه المخاطبات إليهم مباشرة، فللنواب المستقلين والكتل النيابية الأخرى مكاتب، كان يمكن إرسال تلك المبادرات إليهم ومخاطبتهم بشكل رسمي، فالجدية بالعمل السياسي لا يمكن أن تدار عبر البيانات أو التصريحات أو التغريدات.
النواب المستقلون الذين يقارب عددهم نحو 40 نائباً، الذين هم في الحقيقة، إما متوافقون أو كانوا قد خرجوا من رحم «الإطار التنسيقي»، أو «تحالف إنقاذ وطن»، أو هم أحزاب صغيرة ناشئة، فالنواب المستقلون فعلاً لا يتجاوز عددهم عشرة نواب، أطلقوا في الـ15 من أيار 2022 مبادرة لحل أزمة الانسداد السياسي، حيث لا يعرف من هم الذين أطلقوا المبادرة، وما عددهم، بعد تأجيل الإعلان عنها ثلاث مرات، عاكساً ذلك مدى الخلافات والانقسامات السائدة بينهم.
المبادرة التي تضمنت 7 بنود، جوهرها يكمن بأن النواب المستقلين هم من يشكلون نواة الكتلة الأكثر عدداً، والآخرون مدعوون للانضمام إليها «من دون اشتراطات مسبقة»! على أن يتولى المستقلون «ترشيح شخصيات مستقلة من دون إملاءات وضغوط من الكتل السياسية الأخرى» كوزراء ذوي كفاءة وخبرة ونزاهة، بمن فيهم تسمية رئيس الوزراء المكلف تشكيل الحكومة.
خلال الأشهر السبعة الماضية للأزمة السياسية التي أعقبت الانتخابات النيابية المبكرة، فشلت 11 مبادرة للخروج من دوامة الأزمة الحالية، من بينها 3 مبادرات للتيار الصدري، و4 للإطار التنسيقي، و4 مبادرات أطلقها كل من: رئيسي الوزراء السابقين إياد علاوي وعادل عبد المهدي، ومسعود البارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، و«تحالف من أجل الشعب».
المبادرة الأخيرة رقم 12 للمستقلين، التي يبدو أنها ستنتهي كسابقاتها، لم تقدم أي شيء جديد، أو أي حلول عملية منطقية لتفكيك حالة الانسداد السياسي السائدة، حيث بدت المبادرة وكأنها شروط مسبقة للمستقلين لفك الانسداد السياسي!
كل المبادرات التي أطلقت من قبل الإطار التنسيقي أو التيار الصدري أو المستقلين أو من باقي الجهات الأخرى، مبهمة، خالية من أي برنامج عمل منطقي أو واقعي لتفكيك الأزمة، مشترطة ضمانات من المستحيل أن يرضى بها الطرف الآخر، يسيطر عليها هاجس عدم الثقة والإلغاء والخوف من الآخر، عاكسة عقلية العناد وكسر الإرادات ولي الأذرع، وسياسة الاستقطاب لأكبر عدد من النواب من هذا التكتل أو ذاك، لترجيح كفة مبادرته أو مشروعه.
مقتدى الصدر وفي تغريدة له في الـ15 من أيار 2022، أعلن بشكل مفاجئ «التحول إلى المعارضة الوطنية لمدة لا تقل عن ثلاثين يوماً»! لـ «ازدياد التكالب علي من الداخل والخارج على فكرة حكومة أغلبية وطنية»، فبدت وكأنها هروب من الرد على مبادرة النواب المستقلين التي رحب بها الإطار التنسيقي، ودعا الكتل السياسيّة للتفاعل الإيجابي معها.
وفي رد فعل غريب ومبالغ به على قرار المحكمة الاتحادية العليا بإبطال تشريع «قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية» المقدم من قبل حكومة مصطفى الكاظمي للمجلس النيابي، بعد أن طعن بدستوريته النائب المستقل باسم خشان، لكون حكومة الكاظمي، هي حكومة تصريف أعمال، لا يحق لها تقديم هكذا مشاريع قوانين، وخاصة أن رفض المحكمة كان إجرائياً، وليس بسبب مواد القانون.
هاجم مقتدى الصدر في خطاب ناري متلفز في الـ15 من أيار 2022، من سماهم بـ«الثلث المعطل» لتشكيل الحكومة، الذين «لا وجود لهم بلا سلطة»، متسائلاً: «هل وصلت الوقاحة إلى درجة تعطيلهم القوانين التي تنفع الشعب عينك عينك»، و«هل تظنون أن أفعالكم هذه ستجبرنا على التحالف معكم كلا وألف كلا»! متوعداً «اتقوا غضبة الحليم والمظلوم فللمظلوم زأره»، وبهذه اللهجة التصعيدية الحادّة، وإعلان المسؤول العام لسرايا السلام التابعة للتيار الصدري، «جاهزون فانتظرونا»! ومن ثم خروج المئات من أنصار مقتدى الصدر إلى الشارع متظاهرين، نسفت كل الجسور مع الإطار التنسيقي ومؤيديه.
العراقيون ليسوا بحاجة إلى التهديد والوعيد والتصعيد والمزيد من الخوف، ولا إلى لغة إما غالب أو مغلوب، فما يمرون به من أزمات معيشية وخدماتية وصحية وأمنية ما يكفيهم ألماً ووجعاً.
العمليَّة السياسيَّة المشوهة التي وضع لبناتها الاحتلال الأميركي وقوى التحالف الغربي والمطبعون، بعللها وأمراضها المزمنة، أُدخلت بخطاب مقتدى الصدر إلى غرفة الإنعاش بانتظار إعلان وفاتها، أو ظهور متبرع غيور حيادي يُعيد النبض إليها مجدداً، علها تحيا. ومن اللـه العافية.