ثقافة وفن

بسبب الخوف «موت موظف».. برؤية جديدة … لؤي شانا لـ«الوطن»: المسرحية هي دعوة لعدم الخوف خاصة بعد الحرب الشرسة

| سارة سلامة

من الجميل أن نرى مسرح الحمراء يغص بذواقي هذا الفن، والجميل أكثر أن تستمر العروض في بلد أنهكته الظروف الاقتصادية والحرب؛ لكنه مازال يجد متسعا للمتعة والفرجة والمسرح؛ حيث استطاع المخرج المسرحي لؤي شانا أن ينقلنا من خلال مسرحية «موت موظف» إلى عالم مليء بالخوف والهوس في مجتمع يعاني الكثير من الخيبات ليقول كلمته من خلال العرض «لا للخوف».

وقدم شانا قصة «موت موظف» من الأدب الروسي للكاتب أنطون تشيخوف متناولاً ظاهرة الخوف عند الإنسان واتجه إلى مسرحة الفكرة وسورنتها أي تطعيمها سورياً، حتى تلامس الواقع الذي نعيشه وتصور الحياة العامة هنا، وتطرح فكرة الخوف المزروع داخل كل شخص فينا.

ربما هذا ما أراد قوله على مبدأ «الهم يقتل صاحبه»؛ هنا رأينا الخوف يقتل صاحبه وتحمل الفكرة دعوة حثيثة للابتعاد عن الخوف والانطلاق للمواجهة والتعبير عما يغوص في مكنونات النفس.. والعرض يحاكي فكرة «عطسة الموت الشهيرة» التي عطسها موظف حكومي على أحد المسؤولين الأمر الذي أدخله في حالة هيستيريا وهلوسة أرقت حياته، ويعتبر الخوف غير مبرر لأن المسؤول نسي الأمر أساسا إلا أن القلق أوصل الموظف إلى حتفه، وتسرد المسرحية أحداثها ضمن قالب الكوميديا السوداء وهي من بطولة: «علي القاسم، باسل حيدر، ماجد عيسى، محمد سالم، لميس عباس، نجاة محمد وغيرهم»..

الدعوة لا تزال مستمرة والعمل لا شك أنه قائم ينتظر المزيد من الشغوفين لملاقاة الفسحة التي تخولهم للعلو فوق مشاعرهم وأحاسيسهم، في عرض جميل يغوص في النفس البشرية ويلامس الواقع فهذه العطسة قد توحي بالكثير من القضايا التي نخاف اليوم أن نبت بها ونختار السكوت والخوف والصمت؛ ومن جانب آخر فإن العرض يكاد يكون متماسكاً لولا بعض الهفوات ومنها المبالغة في استخدام لهجات مختلفة للمناطق السورية غير الموظفة والتي تبين أنها استهلاكية إلى حد بعيد، كما أن هناك حالة من عدم السيطرة والملل في لحظات كثيرة؛ واحتوى العرض على إيحاءات جنسية شوارعية غير منصفة للشارع السوري.

دعوة لعدم الخوف

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» كشف المخرج لؤي شانا أن: «الفكرة الأساسية من النص هي للكاتب الروسي تشيخوف اسمها وفاة موظف، إلا أنني قمت بمسرحة القصة. وقدمتها كعرض مسرحي لأكثر من ساعة من الوقت؛ اقتبست فكرة الخوف طرحتها في المشهد الأول، أما بقية الأحداث فهي عبارة عن تداعيات للفكرة الأساسية، تتلخص في موضوع الخوف عند الإنسان؛ والخوف استثنائي قي تناوله للأفكار، وهناك الكثير من الكتاب يضعون اللوم بكتاباتهم على الطبقة المتسلطة والقوية التي تعيث فسادا في المجتمع. وهنا نرى الكاتب يقلب المعادلة ويضع لومه على الإنسان البسيط المسحوق. ويحاول النص أن يقدم فكرة جيدة تحارب الخوف، وتقول إننا نحن من نصنع الخوف بداخلنا، لأن الخوف يتصاعد ويتصاعد حتى يأكل ويقتل صاحبه، وقد لا يكون القتل بمعنى القتل المادي قد يكون القتل معنوياً».

ويضيف شانا إن: «المسرحية هي دعوة لعدم الخوف. وتناولت هذا الموضوع لأن المجتمع السوري خرج من حرب شرسة، والحرب بكل المفاهيم هي حرب ظالمة ومخيفة للكبار وللصغار. وأرى أن ما بعد الحرب مخيف أكثر مما قبلها، والإنسان البسيط والمسحوق في حالة خذلان وخوف من ارتفاع الأسعار وخوف من الأزمة الاقتصادية الخانقة وخوف من المستقبل ومن المجهول، لذلك نحن نقول اليوم إن الخوف لا جدوى منه».

وعن أهمية ملامسة المسرح لقضايا الشارع بين شانا أنه: «من الضروري أن يلامس واقع الشارع ويلامس الإنسان وما يعانيه من معاناة خاصة خلال السنوات العشر الفائتة وما قبل حتى؛ إلا أني أرى في آخر فترة واجهنا معاناة لم يسبقنا عليها إنسان آخر في العالم؛ لذلك كان يجب أن نبحث نحن كمثقفين ومسرحيين وفنانين عن الأفكار التي تلامس الإنسان الذي أنهكته الحرب، لأننا لو ابتعدنا عن معاناته لن يشعر بنا أساساً، وهاهي الناس رغم كل الظروف تملأ المسرح».

وأوضح شانا الذي قدم منذ تخرجه من معهد الفنون المسرحية إلى اليوم ما يقارب الأربعين عرضاً مسرحياً: «كل العروض اشتغلت على نصوصها كإعداد وأغلبها مأخوذ عن أفكار وقصص قصيرة عالمية ونقدم عرضاً آخر لا علاقة له بالفكرة كلها، وهذا اعتبره مشروعي الشخصي وهو مشروع مسرحي حقيقي أساسه الإنسان وما يعانيه آماله وآلامه سواء كان سورياً أم لا، وقد أتناول مسرحية أميركية واشتغل عليها؛ لأن الفكرة الإنسانية الحقيقية تمس أي إنسان في أي مكان».

إعادة صياغة أدواتي

وعن شخصيته في العرض تحدث لنا باسل حيدر: «أقدم شخصية مكملة لأحداث العمل التي تتفاعل نتيجة الموقف؛ والفكرة تطرح موضوع الخوف ودوري هو واحد من أبطال الشخصيات المنسوجة شخصية كوميدية نراها بالغالب تنال رضا الناس وتثير ضحكاتهم؛ وبلحظات ممكن أن تثير دمعاتهم».

وعن أهمية المسرح عند حيدر قال: «وقوفي على خشبة المسرح سأصفه تكنولوجيا بأنه إعادة صياغة أدواتي التعبيرية ومشاعري وإنسانيتي أي إعادة تهيئتي كممثل؛ لأن هذا المكان لمن يجهله هو من الأماكن التي نعتبرها أماكن مقدسة؛ لاسيما أنه على تماس مباشر مع الجمهور الذي تكبد عناء السفر والطريق والظرف الاقتصادي للوصول إلى هنا؛ خاصة أن العرض كبير وملحمي ويصل إلى الجمهور بقلم كوميدي جميل؛ سعيد جداً بهذه التجربة وأننا نرسم الضحكة كل يوم على وجوه سوريين يمرون بأوضاع قاهرة من تداعيات الأزمة الاقتصادية، والمثير أننا نضحك هذا الجمهور الكبير كل يوم ولكن بشكل غير مبتذل ولا تهريجي بل موظف ضمن قالب كوميدي بطريقة صحيحة».

المسرح هو الحياة

وكشف محمد السالم عن شخصيته حيث يقدم دور رجل السلطة قائلا: «هو رجل سلطة ممكن أن يكون سلطة إدارية أو سلطة مالية حيث يقوم أحد الموظفين بالعطاس عليه بالغلط إلا أن الشخص المسؤول ينسى الأمر لأن مشاغله كثيرة وهمومه أكبر من هذه القصص؛ إلا أن الخوف يسيطر على المواطن وتخلق لديه حالة من الهوس اللاإرادي، ويلاحق صاحب السلطة للاعتذار منه إلا أن الخوف أخيراً يتغلب عليه ويفقده حياته».

وأضاف السالم إن: «المسرح يشكل أساس الحياة وتوجهها فمن خلال خشبته نقترب من الناس ونحكي همومهم نلتقي الأشخاص بشكل مباشر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن