قضايا وآراء

جَلَب الدب إلى كرمه!؟

صياح عزام :

هل كانت فرنسا تتوقع، وهي تسهل مرور ما يسمى الجهاديين للحرب في سورية، أنهم سيعودون إليها لممارسة الجهاد ضد ما يسمونه (الكافر) هولاند؟ وهل كان الذي يسمي نفسه أميراً للمؤمنين أردوغان يفكر بأن يضربه هؤلاء في عقر داره في أنقرة مخلفين عشرات القتلى والجرحى؟ وهل كان ملك الديمقراطية الغربية أوباما يتوقع، وهو يزوّد ما يسميها المعارضة المعتدلة، أن يتلقى تهديدات باقتحام البيت الأبيض؟ وهل كان أئمة الفتنة يتوقعون وهم ينادون بالجهاد في المساجد، ويفتون بالقتال في سورية أن يعود هؤلاء الجهاديون إلى أراضيهم ليفجروا المساجد ويقتلوا رجال الأمن والمدنيين الأبرياء، ويهددوا باستباحة أراضيهم ويتهموا الناس بأنهم «مشركون ومرتدون وزنادقة» بكل صفاقة وإجرام؟
أما روسيا، فكانت تتوقع كل شيء من هؤلاء الإرهابيين الذين يقاتلون في سورية، ولم تُخف صدمتها الهائلة من تفجير الطائرة المدنية الروسية فوق سيناء، وتتوقع أن يفعلوا أكثر من ذلك بتنفيذ تهديداتهم باقتحام الكرملين، لاسيما أن روسيا على مقربة من دول تشكل أرضية حاضنة لهؤلاء، وتصدر الآلاف منهم للقتال إلى جانب داعش والنصرة وغيرهما، ولها تجارب مع الشيشانيين الذين اقتحموا مسرحاً في موسكو وقتلوا وأحرقوا من فيه.
لاشك بأن هولاند وأمثاله الذين لم يتوقعوا عودة الأبناء الضالين للقيام بهجمات في بلادهم، كانوا يدعون محاربة داعش، ولكنهم في الحقيقة كانوا يرسلون إليها الأموال والأسلحة وأجهزة الاتصال ويفتحون حدودهم أمام مرورهم إلى سورية والعراق. أما أردوغان الذي ادعى بدوره محاربة داعش، فقد شدد حربه ضد الأكراد بعد أن أوقف المفاوضات معهم.
إذاً، المهم إحراز النتائج في محاربة الإرهاب وليس مجرد الحديث عن ذلك إعلامياً مع دعمه من خلف الستار، فروسيا حققت نتائج ملموسة على الأرض في سورية، سواء من خلال غارات طائراتها المباشرة أو من خلال توفير الأجواء المناسبة للجيش السوري للتقدم في أكثر من جبهة، بل في معظم الجبهات، وكل ما تردده الأبواق الغربية حول أن روسيا تقاتل في سورية لحماية مصالحها الخاصة، ولتوجيه رسالة للناتو بأنها لا تزال قوة عظمى، هو هراء.
روسيا تريد جدياً محاربة هذه الآفة الإرهابية الخطيرة قبل استفحال خطرها الذي يهدد روسيا كما يهدد العالم أجمع.
وفي هذا السياق جاء التشكيك الأميركي الغربي بالتدخل الجوي الروسي في سورية، وخاصة أنه كشف زيف التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بزعم محاربة الإرهاب، وأيضاً جاء الغدر التركي لروسيا من أردوغان بإسقاط طائرة السوخوي الروسية داخل الأراضي السورية من أجل التشويش على النجاحات الروسية وخلط الأوراق، وإعاقة العملية السياسية في سورية التي وضعت أسسها في جنيف 2.
إن السؤال الجوهري هنا هو: ألم تكن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وغيرها على دراية بفكر داعش وأخواتها وطموحاتهم ومخططاتهم التي تُمول من السعودية وقطر، أم إن مصالحها الخاصة كانت توجه سياساتها؟ ألم يدركوا منذ البداية خطورة هذا الفكر الشيطاني المتطرف التكفيري الذي شحن الشعوب بقناعات مضللة، وجعل الإرهابيين يشقون صدر جندي سوري والتقاط كبده والتهامه، ويحرقون الطيار الأردني «الكساسبة» وغير ذلك من الجرائم البشعة؟
الآن، وبعد مضي الوقت وبعد أن اكتوت باريس بنار الإرهابيين القتلة يحاول الرئيس الفرنسي هولاند لملمة جراح بلاده، وإرسال حاملة طائراته إلى البحر المتوسط، وشن غارات على داعش، إلا أنه – ومع الأسف- يحافظ على علاقاته مع قطر والسعودية اللتين تمولان جميع العمليات الإرهابية في فرنسا وغيرها.
بقي أن نسأل، هل داعش الإرهابي من القوة بمكان حتى يصمد أمام العالم الذي تملك بعض الدول التي تدّعي محاربته مثل أميركا ترسانة من الأسلحة يمكنها تدمير الكرة الأرضية؟
الإجابة واضحة فالولايات المتحدة تستثمر في الإرهاب ولا تريد القضاء عليه أو محاربته، هذه حقيقة باتت مؤكدة، ولو أنها كانت جادة في محاربته لتعاونت مع الجهود الروسية الجدية.
باختصار، لقد حصل مع أوروبا ما يقوله المثل «جاب الدب إلى كرمه»، وبالطبع بدأ الدب يأكل الأخضر واليابس، وهذه ضريبة السياسات غير المدروسة لزعماء أوروبا ولتبعيتهم المطلقة لواشنطن ولارتهانهم للمال السعودي والقطري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن