التسعيرة الجديدة للقمح.. هل ترضي المزارعين وتناسب تكاليف الإنتاج؟ … الأمين: أعطت هامش ربح للفلاح 45 بالمئة ولم توضع عن عبث .. عضو مجلس شعب: المغريات كبيرة على الحدود وشراء القمح بسعر مرتفع من الفلاح أفضل من الاستيراد
| جلنار العلي
اعتبر بعض الفلاحين في حديث لـ«الوطن» أن التسعيرة الجديدة لكيلو القمح التي تم تحديدها في مؤتمر الحبوب الأخير الذي عقد في الرابع عشر من الشهر الجاري غير مجزية، ولا تجني أرباحاً كافية لهم ولعوائلهم في ظل ارتفاع الأسعار الحالي.
المزارع أيمن زيود من سهل الغاب في حماة أكد أن السعر الجديد لا يناسب المزارع في ظل ارتفاع تكلفة الزراعة وسوء نوعية البذار الموجودة حالياً وعدم فعالية الأدوية الزراعية، ناهيك عن قلة مخصصات الأسمدة البالغة 22 كيلو غراماً للدونم، إذ يضطر المزارع إلى شراء 13 كيلو غراماً إضافياً لأن الدونم الواحد يحتاج إلى 35 كغ من المادة على أقل تقدير، إضافة إلى أن الفلاح يلجأ أيضاً لشراء المازوت من السوق السوداء لأن المخصصات المحددة بـ4 ليترات للدونم لا تكفي.
تسعيرة عادلة وليست عن عبث
من جهته، اعتبر مدير المؤسسة السورية للحبوب عبد اللطيف الأمين في تصريح لـ«الوطن» أن تسعيرة القمح الجديدة عادلة ولم توضع عن عبث، وإنما بعد إجراء دراسة معمّقة لتكاليف الإنتاج، بدءاً من عملية بذار القمح مروراً وانتهاءً بالحصاد، مشيراً إلى أن تكلفة الطن الواحد من القمح لا تتجاوز 1.2 مليون ليرة، وبعد التوجيه الرئاسي برفع سعر الكيلو إلى 2000 ليرة مع المكافأة بعد أن كان في السابق 1700 ليرة أصبح الطن الواحد يباع بمليوني ليرة، مع إعطاء 100 ألف ليرة مكافأة عن كل طن يصل من المناطق غير الآمنة، وذلك بسبب التكاليف الإضافية، وبذلك يكون الفلاح قد حصل على هامش مجز للربح يزيد على 45 بالمئة من الكلفة.
توقعات بالعزوف عن زراعة القمح
رئيس لجنة الزراعة والموارد المائية في مجلس الشعب الدكتور محمد كردوش، توقع في تصريح لـ«الوطن» عزوف الكثير من الفلاحين عن زراعة القمح بالموسم المقبل في حال بقي السعر على حاله، حيث أكد أن هذا الخطر يعد وارداً أمام قلة الأرباح، مشيراً إلى أنه لا يجب النظر إلى تكاليف زراعة الكيلوغرام فقط، بل يجب إرضاء الفلاح الذي يحتاج إلى تكاليف للحصاد وتأمين أكياس للنقل وما إلى ذلك، وخاصة أمام وجود مغريات كبيرة بالنسبة للفلاحين على الحدود من ميليشيات «قسد» والفصائل الإرهابية التي ترغب بشراء القمح السوري ولو كان بسعر مرتفع، إما للاستفادة منه أو للضغط على الدولة.
واعتبر كردوش أن شراء القمح من الفلاح السوري بالعملة المحلية بسعر 3000 ليرة مثلاً، أفضل من الاستيراد من الدول الأخرى وخسارة القطع الأجنبي، مستغرباً لماذا تنظر الحكومة بطريقة أخرى إلى هذا الملف، متابعاً: «الجدير ذكره، أن وزير الزراعة اقترح أن يكون سعر كيلو القمح بـ 2500 ليرة لأنه على اطلاع دائم، ولكن لم تتم الموافقة على ذلك».
وطالب كردوش المحافظين بإلزام الفلاحين الذين تم تمويلهم من الحنطة والمحروقات بالتسليم للمراكز الحكومية، لمنع هدر المبالغ التي خصّصت لهم.
قد يباع موسم القمح كعلف!
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي والأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب الدكتور حسن حزوري في تصريح لـ«الوطن» أن التسعيرة الجديدة لشراء القمح للموسم الحالي غير عادلة ولا تشجع الفلاح على الاستمرار في زراعته، أو حتى على تسليمه للدولة، مشيراً إلى أن سعر شراء كيلو القمح أقل من سعر شراء كيلو العلف المحدد بـ2300 ليرة، وهذا يعني أن الفلاح قد يبيع موسمه كعلف.
وأشار إلى ضرورة أن يكون للحكومة نظرة وطنية وتنموية أكثر، وأن تستفيد من تجربة دعم الإنتاج الزراعي في الثمانينيات من القرن الماضي، حينما تم تحديد سعر شراء القمح محلياً بـ11 ليرة في الوقت الذي كانت تكلفة شرائه عالمياً تعادل 5 ليرات، أي كان السعر المحلي يفوق السعر العالمي بـ2.2 مرة بهدف تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي وتشجيع الفلاح على الزراعة والإنتاج بإجراءات اقتصادية وليس إجراءات عقابية وجزائية وتهديدات بالغرامات وغيرها في حال رفض تسليم المحصول، مضيفاً: «إن ما يحصل الآن هو تدمير للقطاع الزراعي في معظم المحاصيل الزراعية وخاصة الإستراتيجية منها وعلى رأسها القمح، رغم كل الشعارات الرنانة عن دعم الفلاح ودعم الزراعة».
بالورقة والقلم
وفي مقارنة بين السعر المحلي والعالمي، أوضح حزوري أن سعر طن القمح عالمياً وصل إلى 460 دولاراً تضاف إليه أجور الشحن إلى سورية بقيمة 40 دولاراً للطن وبوليصة تأمين تصل إلى 40 دولاراً أيضاً حيث لا تقبل شركات التأمين أقل من ذلك بسبب المخاطرة المتمثلة بالعقوبات الاقتصادية، وبذلك تصبح تكلفة الطن الواصل إلى الموانئ السورية 540 دولاراً، ناهيك عن الرسوم الجمركية وتكاليف النقل إلى الداخل التي يجب أن تضاف أيضاً، وبناء على ذلك فإن تكلفة استيراد الكيلو غرام إلى سورية تصل إلى 0.54 دولار، أي بما يعادل 1512 ليرة إذا تم احتساب الدولار على سعر الصرف الرسمي (2800 ليرة) و2106 ليرات إذا تم احتسابه على سعر الصرف الفعلي الذي يسعر به الذهب (سعر السوق السوداء) وهو3900 ليرة.
وتابع: وفي مقارنة السعر العالمي، مع السعر الذي كان يتم فيه شراء القمح في عقد الثمانينيات، فإن السعر الحالي يجب أن يكون 3326 ليرة بالنسبة لسعر الصرف الرسمي، وبسعر يزيد على 4000 ليرة مقارنة بسعر الصرف الفعلي في السوق.
يجب ألا يقل عن 3500 للكيلو
واتفق حزوري مع كردوش على أن الاستيراد سيؤدي إلى نزيف القطع الأجنبي الذي نعاني من شح كبير فيه، وإلى التأثير على ميزان المدفوعات وبالتالي على سعر الصرف، وسيكون المستفيدون هم المستوردون أو السماسرة، مشيراً إلى أنه في حال تم استلام المحصول كاملاً عبر سعر تشجيعي اقتصادي، فإن الدفع سيكون حتماً بالعملة المحلية ولن يتم اللجوء للاقتراض أو إلى خط ائتمان، كما ستحرض قيمة القمح المدفوعة للفلاح على الطلب وتنشيط الاقتصاد، لأن الفلاح سينفق قيمة المحصول على تلبية حاجاته الاستهلاكية والاستثمارية المستقبلية.
ونتيجة لكل المعطيات السابقة، يرى حزوري أن السعر التشجيعي والعادل يجب ألا يقل عن 3500 ليرة للكيلو الواحد، ولاسيما أن المحصول تعرض لأضرار كبيرة نتيجة الظروف المناخية وبعض الحرائق، لذا فإن الإنتاج الفعلي سيكون أقل بكثير من الإنتاج المتوقع، وهذا يستدعي عدم التفريط بأي كيلو غرام.
وتابع: «إضافة إلى أن قوات «قسد» أعلنت اليوم سعر شراء القمح من الفلاحين بما يعادل 2200 ليرة، ومن المؤكد أنها لن تسمح بعبور كيلوغرام واحد باتجاه مناطق سيطرة الحكومة مهما كانت الظروف، لذا فإن كان السعر تشجيعياً أكثر من ذلك فسيلجأ بعض الفلاحين إلى التهريب باتجاه المناطق الواقعة تحت السيطرة».