يعد الجنرال المتقاعد من جيش الاحتلال يتسحاق بريك أحد المتخصصين بمهام استيعاب المجندين الجدد للخدمة في جيش الاحتلال وإعدادهم للتدريب والقتال، وكانت مجلة «هاشيلواح» الفصلية العبرية للأبحاث قد نشرت له في عدد آذار 2020 تحليلاً يحذر فيه بلغة واضحة من «خطر انعدام ثقة الجنود الإسرائيليين بقادتهم»، ويشير في مقاله إلى أن «انعدام هذه الثقة يعد أخطر ظاهرة تتطلب وضع الحلول لها كأولوية على جدول العمل والحوار في الجيش لأنها أكثر أهمية من أي موضوع آخر، وخاصة أنها تمس قدرة الجيش على الردع وتوفير الأمن للمستوطنين، ويؤدي استمرارها إلى انهيار في الروح المعنوية القتالية».
وفي تحليله لهذه الظاهرة يبين بريك أن هذا العامل يولد الفزع والخوف عند جنود الاحتلال ويدفعهم إلى الارتباك والتراجع أثناء قيامهم بمهامهم حتى لو كانت أسلحتهم في أعلى درجة التطور والقدرة النارية، ويوضح بعباراته أنه «يتأسف كثيراً حين يجد أن دوافع الاشتباك للقتال والروح المعنوية عند الجنود لا تزال تتدهور منذ حرب تموز 2006 على جبهة جنوب لبنان»، ويضيف قائلاً: «وبموجب معرفتي بالجيش في السنوات الماضية أدرك أن الوضع اليوم أكثر خطورة، ومن زار في عام 2020 قواعد تأهيل وتدريب الجنود لمس وجود درجة متدنية من الروح القتالية، وقد شاهدت دلائل على انخفاض حاد في دوافع المرشحين للخدمة في الوحدات القتالية، بل مما زاد الطين بلة أن واحداً من كل ثلاثة مجندين لا نتمكن من تجنيدهم ويجري تسريحهم لأسباب نفسية، والكل يعرف أن السبب الحقيقي هو عدم رغبتهم في الخدمة العسكرية».
في حديثه عن الضباط الكبار في الجيش يقول بريك إن «هناك وضعاً خطراً يسود بين هؤلاء الضباط لأنهم يأملون أن تقع معجزة ولا تندلع حرب في فترة خدمتهم وتحت مسؤوليتهم»، ويستنتج من هذه العوامل وجود «تآكل في القدرات المعنوية عند الجنود وانخفاض الدوافع في القيام بالاستعدادات المطلوبة أمام أي حرب محتملة ومقبلة»، ويبين الجنرال بريك أن الجندي الإسرائيلي «لا يعطي قيمة لروح التضحية» ويطالب قيادة جيش الاحتلال بإعداد كل ما من شأنه إيجاد هذه القيمة التي يفتقر لها الجنود في تنفيذ المهام وتحقيق الهدف.
بالمقابل من الطبيعي لجنرال متخصص بإعداد المجندين الجدد وتأهيلهم العسكري والمعنوي، أن يجري مقارنة بين ما يملكه أفراد المقاومة من روح التضحية بالنفس حين يحملون سكينا أو عبوة متفجرة وسلاحاً فردياً أو ينفذون عملية استشهادية ضد جنود الاحتلال، وبين خوف الجندي الإسرائيلي من فقدان حياته في أي مواجهة أو صدام مع أي فرد من المقاومة، وهذا العامل الذي يتفوق فيه المقاوم على جندي الاحتلال المدجج بالسلاح هو الذي يدفع قدرات جنود الاحتلال للتآكل وتفضيل المحافظة على الحياة بأي وسيلة ممكنة، وهذه الظاهرة منتشرة تاريخياً عند قوات الاحتلال الاستعماري والاستيطاني حين كان ينقلهم الاستعمار من أوطانهم إلى وطن الآخرين للقتال وتحقيق أهداف دولهم الاستعمارية وهذا ما كان يحدث للجنود البريطانيين والمستوطنين الأوروبيين في جنوب إفريقيا أمام مقاومة أصحاب الأرض، وهذا ما يشير بشكل واضح إلى تآكل المشروع الصهيوني الذي أنشأت بريطانيا الحركة الصهيونية من أجل تحقيقه وفرضه على فلسطين من أكثر من قرن ونصف القرن، فالمستوطنون في الأراضي المحتلة بدؤوا في هذه الأوقات يعربون عن شكوكهم بإمكانية إيجاد دولة يهودية، ويتحدثون في وسائل التواصل الاجتماعي وفي تعليقاتهم عن أزمات الكيان الإسرائيلي بسبب وجود أصحاب الأرض الفلسطينيين المنتشرين في معظم المدن ومساحات الأرض الذين يؤكدون استعدادهم للتضحية بأرواحهم من أجل استعادة أراضيهم وحقوقهم إلى حد زاد فيه عدد الفلسطينيين عن عدد اليهود فوق كل فلسطين، يضاف إليهم سبعة ملايين خارج فلسطين يصرون على العودة مهما بلغت التضحيات.
ولهذه الأسباب بالذات بدأ المشروع الصهيوني يحمل عوامل وبذور هزيمته سنة تلو أخرى، ويولد عند المستوطنين شكوكاً كثيرة حول مستقبل بقائه وبقائهم في وطن سلمته لهم بريطانيا ووضعتهم فيه منذ قرن، وما يحذر من خطره الجنرال بريك هو النتيجة الحتمية التي تولدها مقاومة تحمل روح التضحية مقابل مستعمر مستوطن لا تربطه بالبقاء في الأراضي المحتلة سوى خدمة الاستعمار البريطاني ومن بعده الأميركي.