ثقافة وفن

فنانتان سوريتان تبدعان بفن «ماندالا»

| نبيل تللو

لا يكاد يمضي أسبوع واحدٌ أو أسبوعان إلا ونسمع عن إقامة معرضٍ فني تشكيلي لفنٍّ من الفنون الجميلة، مع دعوةٍ لزيارته، قد يكون هذا المعرض للنحت أو التصوير أو الخزف أو الزجاج أو الحدادة أو الصياغة، وقد يكون للرسم الذي يتَّخذ أشكالاً مختلفة كالفن التعبيري أو التجريدي أو الواقعي أو التشخيصي، ولكنَّ معرضاً لفنانةٍ سورية أُقيم مؤخراً في دمشق قد لفت نظري بنوعيته وشكله وحداثته عندنا، وهو فن « ماندالا »، الذي لم أسمع عنه سابقاً. وفي وقتٍ متزامن دخلت فنانةٌ سورية موسوعة غينيس للأرقام القياسية لإنجازها أكبر لوحة في العالم مرسومة بهذا الفن.

«ماندالا» «MANDALA»، وهي كلمةٌ في اللغة السنسكريتية المنتشرة في بلاد الهند معناها القرص أو الدائرة، ويُعرف أيضاً بـ: «فن البهجة»، لأنه يُدخل السرور والفرح إلى النفس، ولذلك يُعَدُّ أحد الفنون التي ثبت علمياً دورها الإيجابي في معالجة التوتر الناتج عن ضغوطات الحياة، إذ إنه مجموعة من الرموز التي ترمز إلى الكون وتساعد على التأمُّل، يستعملها الهندوس والبوذيون للتعبير عن صورة الكون الميتافيزيقي، والميتافيزيقيا كلمة يونانية الأصل تعني «علم ما بعد الطبيعة»، ثم انتشر بعد ذلك في كثيرٍ من بلدان العالم، حتى وصل أخيراً إلينا، والشائع الآن أن كلمة «ماندالا» أصبحت مصطلحاً عاماً لأي تخطيط سواءٌ كان جدولاً أو أنماطاً هندسية.

في القرن الحادي عشر انتقل فن «ماندالا» من الهند إلى التيبت، وصار يُستخدم فيه حبات الرمل الملوَّنة أو مساحيق التلوين لتصوير المعتقدات الدينية السائدة هناك، ومن خلال طريقة اختيار الألوان وأشكال الدوائر، يصبح بالإمكان التأمل وهدوء الأعصاب ومنح الذات الراحة النفسية.

تتكوَّن أشكال هذا الفن إمَّا من رسوماتٍ مربَّعة الشكل متداخلة مع بعضها، أو من دائرةٍ لا بداية لها ولا نهاية ومتداخلة مع بعضها بعضاً، أو من رسوماتٍ مربعة ودائرية متداخلة مع بعضها بعضاً، أو من دائرة كبيرة تتكرَّر ضمنها الدوائر والأشكال الهندسية المختلفة، أو من نقطٍ ونقوش متوازنة بصرياً، وكلما تعمَّق الرِّسام في دائرته، كلما وصل إلى تركيزٍ وهدوءٍ داخلي وعميق، حتى إن المُشاهد يشعر بوجود جاذبيةٍ قوية وتركيزٍ عالٍ بين عيني وقلب الرسام ودائرته وأشكاله المختلفة.

ليس لفن «ماندالا» وجودٌ سابق في سورية في أي وقتٍ من الأوقات، ولم يُدرس كفنٍ من الفنون في مراكز تعليم الرسم، ولا في كليات الفنون الجميلة في الجامعات السورية، غير أن فتاة سورية هي المهندسة نهى زيود، من مدينة جبلة بمحافظة اللاذقية، قد استهواها هذا الفن، فأبدعت فيه، وشاهدنا إبداعها في المركز الثقافي العربي أبو رمانة في دمشق، من خلال معرض أُقيم خلال الفترة 8 ــ 12 /5 /2022، وضمَّ نحو أربعين لوحةٍ فنية بين كبيرةٍ وصغيرة.

وبتاريخ 9 / 5 / 2022، وبوقتٍ متزامن مصادفةً، دخلت «لمى زكريا» الطالبة في السنة الثالثة بكلية هندسة العمارة بجامعة البعث، وهي من مواليد مدينة حمص عام 2000، وتقيم بمدينة دير عطية بمحافظة ريف دمشق، موسوعة غينيس للأرقام القياسية، لإنجازها لوحة بفن «ماندالا» بقياس 488 سم طولاً وعرضاً، وتضمُّ 4096 ماندالا (دائرة) قطر أصغرها 2 سم، تحيط بدائرة مركزية قطرها 2م، هي الأكبر من نوعها في العالم لهذا الفن، وتتكوَّن من ثمانية ألواح متلاصقة، وتمَّ إنجاز كل لوحٍ منها على حدة، والدوائر في اللوحة متفرِّدة ومتداخلة ومختلفة عن بعضها بعضاً، ولكنَّها كلها ملوَّنة بألوانٍ بديعة.

لا شكَّ في أن اقتحام السوريين هذا الفن الجميل؛ يُعَدُّ حدثاً مهماً وعلامةً فارقةً في مسيرة الحركة الفنية في سورية، ما يتطلَّب من الجهات المعنية تشجيعه، ومساعدة المبدعين فيه، سعياً للوصول إلى مرحلةٍ متقدِّمة في هذا الحقل الفني التشكيلي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن