فاسدون في ثياب الخيّرين..!!.. حل مجلس إدارة جمعية خيرية في الحسكة لكنها مستمرة على قيد الفساد! … المحافظ اقترح حل مجلس الإدارة وتشكيل مجلس جديد .. توصية تقرير التفتيش لم تُنفّذ إلا بعد ثمانية أشهر
| يونس خلف
لا نأتي بجديد عندما نقول إن الحذر بات ضرورياً من الفاسدين الذين يتحدثون كثيراً عن مواجهة الفساد ويتصدرون المنصات في معارك كلامية ظاهرها الحرص على الوطن وباطنها المنافسة للبحث عن المنافع أو مكان في السلطة أو بجوارها.
جمعية البر والإحسان الخيرية في رأس العين أسست وأشهرت عام 2005 إلا أن الوقائع تؤكد أنها انحرفت عن مسارها الخيري وتحولت إلى استثمار كل الإمكانات للمنفعة الشخصية لبعض أعضاء مجلس إدارتها بدعم من حُماة الفساد والمنتفعين منه.
وظلت الجمعية لسنوات مستمرة في الفساد إلى أن وصلت معلومات لمحافظ الحسكة غسان خليل حول جملة المخالفات والتجاوزات فتم التحقيق والتدقيق بهذه المعلومات رغم أنها قديمة واستمرت سنوات.
بتاريخ 7/4/2022 صدر قرار من وزير الشؤون الاجتماعية والعمل بناء على كتاب محافظ الحسكة يتضمن تشكيل مجلس إدارة مؤقتاً لجمعية البر والإحسان الخيرية برأس العين لترتيب أوضاع الجمعية المالية والإدارية والتنظيمية وإعادتها إلى السكة الصحيحة ريثما يتم انتخاب مجلس جديد.
أشكال الفساد
لكن ماذا كان يحصل في هذه الجمعية وما بعض أشكال الفساد طوال سنوات مضت:
عقد عمل بين الفريق الأول وهو الجمعية التي يمثلها رئيس مجلس الإدارة والفريق الثاني، وهو نفسه بصفته الشخصية وبذلك تم تمثيل كل من الفريقين بشخص واحد وبموجب العقد أصبح هو مديراً للمشروع وتم وضع الشروط والواجبات المطلوبة من الفريقين وقام بوضع الشروط والواجبات لنفسه وهي الملزمة لكلا الفريقين وحدد الاستحقاق والحافز المالي لنفسه بـ 346 ألف ليرة.
كما قام مجلس الإدارة المؤقت وبناء على أمر مهمة من مديرية الشؤون الاجتماعية بجولة على مشروعي التعلم الذاتي في الرقة وريفها ومشروع الألبسة الشتوية في بلدة السبخة وتم التعرف على واقع هذه المشاريع وخلال التدقيق تبين أن الرواتب توضع في حساب مسؤول التوزيع وهو الذي يقوم بتوزيعها على مستحقيها، في حين أن المحاسب الفعلي للمشروع غير موجود ولا يعرفه أحد إلا أن المعروف أن راتبه يبلغ 937500 ليرة، وأنه لم يحضر إلى المشروع نهائياً ومن بين الملاحظات أيضاً الرواتب العالية في المشروع ومنها راتب مدير المشروع الذي يصل إلى 2.5 مليون ليرة مع الإشارة إلى أن مجلس الإدارة المؤقت توجه بكتاب رسمي لمدير المشروع المعفى للحضور إلى الجمعية وتسليم ما بحوزته من أجهزة ووثائق لكنه لم يستجب ليبقى قرار الحل والإعفاء من الوزارة مع وقف التنفيذ.
والأمر اللافت في دفتر الملاحظات التي استوقفت فريق العمل الذي قام بجولة على مشاريع الرقة وجود عقد باسم ابنة مدير الشؤون الاجتماعية بالرقة براتب مليون ومائة وخمسة وعشرون ألف ليرة ووفقاً لتقرير اللجنة.
حبر على ورق
وبتاريخ 2/2/2020 تم تشكيل مجلس إدارة مؤقت بقرار من وزارة الشؤون إلا أن قرار التشكيل ظل ثمانية أشهر حبراً على ورق وغير قابل للتنفيذ رغم أن المجلس المؤقت المؤلف من كفاءات وشخصيات معروفة بنزاهتها في الحسكة تمكن من وضع اليد على العديد من المخالفات والعقود الوهمية، وتم إحالة جميع المخالفات إلى فرع الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بالحسكة عن طريق المحافظ وأرسلت مذكرات تفصيلية إلى مكتب وزير الشؤون.. لكن ظل السؤال حتى الآن أين هذه المذكرات؟ وماذا حصل بشأنها ولماذا اختفى صداها؟
كما كشف مجلس الإدارة الحالي المؤقت في تقرير تقدم به للجهات المعنية بأن الجمعية مختزلة بأربعة أشخاص يعملون في كل المشاريع ويستفيدون منها مالياً بعقود عمل ورواتب في وقت واحد وبأجر كامل لكل مشروع وبما يخالف نظام العقود في الجمعيات.
وأنه وخلال التدقيق في جداول رواتب مشروع العمليات الجراحية لوحظ وجود أسماء لعمال النظافة وعددهم اثنتان ويبلغ راتب كل واحدة مليون ليرة ، ولكن الغريب في الأمر أن العاملتين لا تقبضان سوى 250 ألف ليرة سورية شهرياً لكل واحدة، أما باقي المبلغ فيذهب إلى جيوب المنتفعين، وما تجدر الإشارة إليه أنه قبل أيام تم توزيع الرواتب من مجلس الإدارة الحالي المؤقت وكانت المفاجأة أن أمين الصندوق قام بتسليم كل عاملة راتبها الحقيقي وهو مليون ليرة سورية وفقاً لتصريح إحدى العاملات.
وكان من بين ما يفتش عنه مجلس الإدارة الحالي المؤقت مقر مستودع أحد المشاريع، فتبين أن المقر الحالي يعود لجمعية أخرى بالرقة وأن المقر المستأجر حسب الوثائق الذي يتم دفع إيجاره هو مقر وهمي كي يتم صرف قيمة الإيجار لحساب المسؤول في الجمعية الذي قام بذلك… والأمر مؤكد بالوثائق، وحتى تكون الأمور (خيرية) وتحت السيطرة فإن جميع لجان فض العروض في كل المناقصات هي برئاسة المدير التنفيذي للجمعية وهذا يخالف المادة 23 من نظام العقود إضافة إلى توليه باستمرار رئاسة لجان اختبار العاملين للمشاريع.
كما أن مجلس الإدارة المنحل قام بدعوة الهيئة العامة أي بعد تشكيل المجلس الحالي المؤقت بقرار وزاري وقام بانتخاب وترميم مجلس إدارة على قياسه ضارباً عرض الحائط بالقرار الوزاري ومستبعداً مجلس الإدارة الحالي، لا بل قاموا بتثبيت حضور بعض الأعضاء الذين لم يحضروا وكتب بأسمائهم اعتراضات على مجلس الإدارة الحالي المؤقت من دون علمهم.
تساؤلات
ويبقى أن نسأل: هل يجوز أن يتم اكتشاف الفساد مصادفة؟ وأين الجهات المعنية طوال السنوات التي مضت؟ وماذا كانت تفعل؟ هل تعلم والتزمت بالصمت على الفساد لأنها منتفعة منه أم إنها لا تعلم به ولم تكن متابعة لما يحصل لأنها مشغولة بفساد آخر؟
كيف ولماذا لم ينتبه أحد إلى أسماء الهيئة العامة (المصنعة) بتاريخ 7/10/2020 على قياس المنتفعين في الجمعية؟ وكيف لم يلفت انتباه أحد أسماء المجلس السابق أنهم من عائلة واحدة ونسب واحد؟ وكيف أن عضواً في مجلس إدارة الجمعية تعمل بصفة أمانة السر وهي خارج القطر منذ أكثر من عامين ولم تحضر أي اجتماع منذ 21/11/2020؟ وكيف لرئيس الجمعية أن يعمل مديراً لمشروع الغذائية في عين عيسى بأجر شهري ثلاثمئة وخمسين ألف ليرة سورية خلافاً لنظام الجمعيات والعقود التي توقع بين الجمعية والعامل المتعاقد.
تقرير رقابي
تقرير الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش رقم 12/2021/20 تاريخ 8/9/2019 المتضمن نتيجة التحقيق في بعض الأمور المثارة حول الجمعية يؤكد أن الفساد في الجمعية ليس جديداً وظل مستمراً بدءاً من تشكيل مجالس إدارات بطريقة غير قانونية مروراً بتفصيل أعضاء جدد على قياس من يستأثر بالجمعية ومنافعها.
والأمثلة على ذلك التي وردت في تقرير الهيئة كثيرة منها أنه بتاريخ 12/2/2018 تم تثبيت أعضاء الهيئة أنفسهم بعد تقليص العدد إلى 70 عضواً من الأعضاء أنفسهم وتبليغهم حضور اجتماع الهيئة العامة السنوي بتاريخ 25/3/2018 أي بعد تثبيت عضويتهم بـ40 يوماً فقط خلافاً لما نص عليه النظام الداخلي للجمعية.
وبتاريخ 25/2/2018 تم عقد الاجتماع السنوي للهيئة العامة بحضور 52 عضواً من أصل 70 وتم انتخاب مجلس الإدارة بحضور ممثل مدير الشؤون الاجتماعية بالحسكة بعد استبعاد أعضاء الهيئة العامة الأساسية للجمعية بشكل متعمد بدليل ما ورد في إفادات الأعضاء من أنهم لم يغادروا مدينة رأس العين ولم تتم دعوتهم لأي اجتماع، إضافة إلى مخالفات وتجاوزات أخرى أكدها تقرير الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش اعتمد عدة مقترحات أولها حل مجلس إدارة الجمعية وتجميد عضوية أعضائه إلا أن هذا المجلس بقي نحو ثمانية أشهر بعد صدور وإعلان تقرير الهيئة ليثبت للجميع أنه كاد يكون فساداً غير قابل للكسر وأن بعض القرارات التي صدرت ظلت مع وقف التنفيذ.
والآن منذ بداية الشهر الرابع وبناء على متابعة وقائع الجمعية من محافظ الحسكة واقتراحه لوزارة الشؤون بحل مجلس الإدارة، صدر القرار بذلك وتم تشكيل مجلس إدارة مؤقت يعمل وفقاً للبوصلة التي يمسك بها محافظ الحسكة كل الأمور منذ توليه مهامه ومسؤولياته، إلا أن ثمة مؤشرات واضحة على وجود حُماة للفساد والدليل أن هناك من يراهن على عودة بعض أعضاء المجلس المنحل من الفاسدين. والدليل أيضاً أنهم يرفضون حتى الآن الاستلام والتسليم ومستمرون في أعمالهم وربما يحاولون رمي كرة الفساد إلى ملعب غيرهم ولاسيما أن الوقائع تؤكد أن ثمة محاولات تمت سابقاً من بعض أصحاب القرار والشأن لوضع الجمعية على السكة الصحيحة إلا أن المنتفعين ومن يدعمهم كانوا أقوى وأسلحتهم مكنتهم من انسحاب الذين حاولوا محاربة الفساد. لكن لا يأس مع محاربة الفساد، والضمانة الوحيدة هي الاستمرار في محاربته والأمر يتطلب كسر الرؤوس التي تحميه والوصول إلى الأصلاء أيضاً وليس وكلاء الفساد الموجودون على السطح فقط كي لا يبقى الفساد على قيد الحياة ولا تبقى بعض القرارات مع وقف التنفيذ.