ثقافة وفن

أنور الأرناؤوط الرائد الواقعي الذي دفعته الحداثة للإعتكاف … تأثر بالمدرسة الروسية البيزنطية عن طريق سابقيه ودراسته … لم يتعلم أكاديمياً وعبّر عن حاجته للمعرفة ما أبعد الضوء عنه

| سعد القاسم

ينتمي أنور الأرناؤوط (1911-1992) للاتجاه الواقعي، الأكثر انتشاراً بين فناني جيله، ولعله كان الأكثر تشدداً بينهم إلى حد مقاطعته للمعارض الجماعية خلال العقود الثلاثة الأخيرة من حياته، احتجاجاً على انتشار أعمال المدارس الحديثة وطغيانها على المظهر العام للمعارض، «مما يترك مجالاً ضيقاً للواقعية كي تقدم نفسها وتأخذ المكان الجدير بها» كما يورد عنه الفنان عبد القادر أرناؤوط في نصٍ هو الأهم والأوسع، وقد نُــشر في الكتيب الثالث من سلسلة (فنانون تشكيليون سوريون) الذي أصدره الفنانان حسان أبو عياش ومحمد حسام الدين عام 1991. وهو يمثل المرجع الأساس لكل ما كتب عن أنور أرناؤوط، (وهذا النص ضمناً). مع ملاحظة أن عبد القادر أرناؤوط يشير في مراجع نصه إلى نص سابق لعدنان العطار قُدم كأطروحة جامعية في جامعة دمشق (1954/1955) بعنوان (الفن في سورية). يحكي عن تأثر الفنان أنور بالمدرسة الروسية البيزنطية عن طريق والده محمد علي الأرناؤوط، وصديق والده عبد الحميد عبد ربه، وتوفيق طارق «الذين درسوا في مدرسة الفنون الجميلة العليا باستنبول وتتلمذوا على يد الفنان الروسي عيوازوسكي» وهي معلومة غير متداولة فيما يخص توفيق طارق الذي نعرف انه درس في باريس، ولا عن عبد الحميد عبد ربه الذي نعرف اسمه من خلال السير الشخصية لفنانين رواد درسوا على يديه، دون أن يتاح لنا رؤية شيء من أعماله. وكذلك الحال بالنسبة لمحمد علي أرناؤوط الذي لا نعرف شيئاً عن اهتمامه الفني سوى ما ورد في النصوص التي تحدثت عن ابنه أنور. يضيف عدنان العطار أن أنور أرناؤوط تأثر «بالمهندس عارف بك والضابط الأرناؤوطي خليل باشا عقرانياً الذي كان لواءاً ومن أصدقاء والده ويتردد على بيته فكان يوجهه لنقاط الضعف في رسومه البدائية آنذاك».

التعليم الفني

تعلم أنور أرناؤوط الرسم من ملاحظات أستاذه في المدرسة «بريتي» (وقد يكون أحد الأساتذة الفرنسيين الذين وفدوا زمن الانتداب)، ومن مرافقة توفيق طارق في جولاته الفنية التي كان يشاركه فيها بعض المتحمسين للرسم، ومن المعلومات التقنية التي قدمها الرسام الإيطالي رولا في المدرسة الايطالية بدمشق، ومن احتكاكه بزملائه فناني تلك الفترة، إضافة إلى الملاحظات التي كان يتلقاها من والده وأصدقاء والده. نفّذ في بداية حياته الفنية مع عبد الوهاب أبو السعود بعض الرسوم السريعة لحالات شعبية. ونقل بعض صور لوجوه عن رسوم الرسام التركي، ويشار إلى أنه توقف عن تصوير الأشخاص امتثالاً لرأي والده، ولا نعثر الآن على أي من صور الأشخاص فيما وصلنا عدد من لوحاته التي تصور الأحياء القديمة في دمشق، والبيوت والطبيعة في ريفها، وفي حوران خلال فترة وجوده فيها كمدرس.

الواقع بجماله التاريخي

مع أن بعض النصوص تعتبر أنور الأرناؤوط امتداداً لاتجاه توفيق طارق الواقعي مقابل اتجاه ميشيل كرشة الانطباعي، فإن الحدود بين الاتجاهين لم تكن واضحة دائماً، حيث اهتم الفنانون من كلا الاتجاهين بالمشهد الطبيعي، وجنح أكثرهم للتبسيط والاختزال، سواءً باختيارهم، أو حكماً لإمكانياتهم. ولهذا لا نستطيع إلا أن نلحظ التمايز بين مستويات فناني جيل الرواد. إلا أن الأمر الجدير بالاهتمام، والتقدير، أن معظمهم قد التقط ببراعة المناخ اللوني المحلي، وخصوصية البيئة. ومنهم أنور الأرناؤوط الذي يتحدث عن تجربته مع الصحفية صالحة نصر في صحيفة تشرين، أواخر عام 1986 فيقول: «أنا من فناني المدرسة الواقعية، تلك التي تصور الواقع بجماله التاريخي وروعته وبساطته وسحره. ولئن كانت الحضارة والمدنية الحديثة قد خطت خطوات متقدمة بالإنسان، إلا أنها أبعدته عن عفويته وعن جمال التكوين الأول، إنساناً وطبيعة». وفي مقابلة سابقة مع الإعلامي عبد الهادي البكار نُشرت في مجلة الجندي أواخر عام 1957 كان واضحاً في معارضته للمدارس الفنية الحديثة فهي «أقيمت على أساس الأحاسيس والانطباعات النفسية الخاصة. وقد نجح بعض الفنانين في إظهار ذلك بشكل لا بأس به، إلا أن البعض الآخر لم يفهم القوانين الفنية الحديثة كما يجب أن تُفهم. فجعله ستاراً لجهله الفني، أو ضعفه (بمعنى أصح)».

يرى عبد القادر أرناؤوط أن «عدم تعلم أنور الأرناؤوط الفن في أكاديمية رسمية، واعترافه الدائم بحاجته إلى الأصول التقنية قد أديّا إلى عدم تسليط الأضواء على عمله، وأثّرا في الحد من إعلاء صوته في مقارعة أنصار المدارس الحديثة. فاكتفى باحتجاجه الصامت المتمثل في عدم المشاركة في النشاط الفني العام، والاعتماد على المعارض الشخصية بين الحين والآخر». وهو أمر يبعث على مزيد من التقدير لعبد القادر أرناؤوط، وللنص الذي كتبه. ذلك أن عبد القادر أحد أهم فناني اتجاهات الحداثة في الفن التشكيلي السوري، سواء في لوحات التصوير، أو في أعماله الإعلانية الغرافيكية. ويترجم هذا في واقع الحال الروح الثقافية الحوارية التي امتلكها، والتي دفعته لتقديم نص يحترم رأياً مناقضاً لتوجهه الفني، وتجربة تخطى مفاهيمها منذ وقت طويل.

المهم أن أكون صادقاً

«أبدأ تقديمي القصير هذا بآخر عبارة سمعتها من فم الفنان «المهم أن يكون الإنسان صادقاً مع نفسه»، لأنها عنت لي الكثير ولم أستطع التهرب منها بعد انتهاء زيارتي. فالصدق مع النفس هو الدعامة الأساسية في العمل الفني. وتأتي بعد ذلك الظروف التي تتضافر في تكوين شخصية الفنان فتجعله واقعياً أو رمزياً أو تعبيرياً أو تجريدياً إلى آخر هذه المجموعات من التصنيف.. قد يعتبر البعض الاحتجاب تهرباً. ولكني أتساءل: ممن يتهرب أنور علي؟ وما حاجته إلى التهرب؟ وما أهمية النقد الجارح (إذا وجد) الذي يأتيه من شخص ليس لرأيه أي قيمة بالنسبة للفنان أصلاً؟ وعلى هذا، فالعزلة ليست دائماً تهرباً. وقد تكون نوعاً من القناعة يستريح إليها شخص غير مشاكس يعتقد بصحة أرائه في بحر من الآراء المتضاربة التي لا تعني له شيئاً. ولكن ذلك لم يكن ليعني توقف الفنان عن الرسم والعمل الفني، وكدليل على ذلك قدم إنتاجه في معرض شخصي أقامه في آب من عام 1973 في المركز الثقافي العربي بدمشق، حيث لا ريشة إلا ريشته، بعيداً عن الاضطرابات التي تعج بها الحياة التشكيلية. ثم أقُيم معرض لأعماله في البيت الشامي في تشرين الثاني من عام 1986».

مشاركات الفنان

قبل ذلك شارك أنور أرناؤوط في المعارض الفنية الأولى التي أقيمت في دمشق ومنها: معرض نادي يقظة المرأة الشامية، معرض بناية الحقوق (1942)، معرض التجهيز الأول، معرض معهد الحرية (اللاييك)، ومعرض رابطة الفنانين الذي رعاه الرئيس شكري القوتلي. وحصل على ميدالية تقديرية في معرض مهرجان القطن بحلب عامي 1959و1962، وعرضت أعماله في المعارض السورية المتنقلة في الخارج كمعرض مؤتمر الشباب العالمي في (موسكو) حيث حصل على ميدالية تقديرية، و(بينالي الإسكندرية) حيث حصل على ميداليتين في عامي 1955 و1959، ومعرض الفن السوري المتنقل في دول أوروبا الشرقية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن