قضايا وآراء

المآل الأكثر احتمالاً للحرب الأميركية على روسيا

| تحسين الحلبي

كانت الحروب العالمية في القرن الماضي تبادر إلى شنها وإدارة الصراع فيها دول الغرب الأوروبية والولايات المتحدة للتنافس على المستعمرات مثل بريطانيا وفرنسا ضد ألمانيا وإيطاليا والدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى في عام 1914 – 1918، وفي الحرب العالمية الثانية 1939 -1945 ضد ألمانيا وإيطاليا واليابان، وفي هاتين الحربين كانت الولايات المتحدة تنتظر سنة ونصف السنة أو سنتين على تطورات الحرب ثم تختار الوقت الذي يناسبها للانضمام إلى الاصطفاف مع الغرب وبخاصة مع بريطانيا وفرنسا ضد الدول المتحاربة معهما بعد أن يكون المتحاربون قد استنزفوا قدراتهم فتقطف الثمار الإمبريالية لمصلحتها بعد انتهاء الحرب.

وفي هذا القرن الجديد يبدو أن الولايات المتحدة أصبحت تعد العملية الروسية العسكرية ضد أوكرانيا فرصتها التاريخية لدفع الدول الأوروبية هذه نحو المبادرة إلى إشعال حرب مباشرة ضد روسيا الاتحادية في كل الساحة الأوروبية بعد أن كانت الدول الأوروبية تشن الحروب ضد بعضها بعضاً فتضمن واشنطن كعادتها دور المصدر للأسلحة وجني الأرباح ووجود أراضيها خارج هذه الحروب بعد الدمار الذي سيلحق بكل هذه القوى بموجب خطتها وتصوراتها.

ومع استمرار العملية العسكرية الروسية، بات واضحاً أن الإدارة الأميركية تستغل الوقت الراهن لإجبار المزيد من الدول على مقاطعة روسيا لحشدها في الحرب ضدها وهذا ما يدل عليه الإعلان الأميركي أول من أمس عن «دراسة فرض عقوبات على كل دولة لا تقاطع روسيا»، وهذا التهديد موجه لدولتين كبريين بشكل خاص هما الصين والهند، وإلى دول أوروبية لم توافق على مقاطعة الغاز والنفط الروسي مثل هنغاريا، ولا شك أن مثل هذا التهديد لن يجدي نفعاً لأن واشنطن تدرك قبل غيرها، أن الصين والهند اللتين تشكلان وقوف ثلث سكان العالم إلى جانب روسيا، لن تقاطعا روسيا، بل إن الصين بشكل خاص تدرك أن الوقت قد حان لتفتيت القدرة الأميركية التي ستعجز عن شن حرب على جبهتين في روسيا والصين، وهي التي تعرف أن الدول الأوروبية باستثناء بريطانيا، سيتجنب معظمها وبخاصة فرنسا وألمانيا وإيطاليا، مثل هذه الحرب المباشرة وربما النووية مع روسيا، وهي القريبة من جميع دول أوروبا، على حين تبعد الولايات المتحدة عن روسيا وساحة الحرب المحتملة هذه آلاف الأميال، ومن البديهي أن تدرك الدول الأوروبية أن مصلحتها في البقاء خارج حرب عالمية ثالثة حتى لو احتلت روسيا كل أوكرانيا، أكثر بكثير من المصالح التي تعدها بها واشنطن فهذه الحرب على روسيا حرب أميركية – بريطانية بنسبة 100 بالمئة، ولذلك تعد أوروبا الطرف المهم وصاحب المصلحة الكبيرة في إرغام واشنطن على التوقف عن التمسك بسياسة «هزيمة روسيا في أوروبا» على حد قول الرئيس الأميركي جو بايدين أو «إضعاف قوتها ومنعها من التمدد» على حد قول وزير الدفاع الأميركي أوستين.

وقد أثبت القرار الأميركي الأخير بمنح أوكرانيا أربعين مليار دولار تضاف إلى عشرين ملياراً تم منحها في الأشهر الماضية، أن واشنطن ما تزال تكثف حملة تصعيد حربها ضد روسيا دون توقف، فمبلغ بقيمة ستين ملياراً خلال هذه الفترة القصيرة يشكل نصف قيمة الناتج القومي الشامل لأوكرانيا، ولو كانت واشنطن تهتم بالشعب الأوكراني لمنحته مثل هذا المبلغ لزيادة دخله لكنها كما يرى الجميع تقدم المال والسلاح لأوكرانيا لكي تحافظ على هيمنتها وسيطرتها الإمبريالية، وهنا تكمن أهمية أوكرانيا في الإستراتيجية الأميركية.

ولذلك يصبح البديل الطبيعي عن استمرار واشنطن بشن هذه الحرب ظهور عالم متعدد الأقطاب رغماً عن أنف واشنطن ويكون لأوروبا فيه هامش واضح في التحرر من الهيمنة الأميركية، عالم لا يمكن لأي قوة أن تهزم فيه روسيا والصين والاعتراف بدور كل منهما في نظام عالمي جديد يخلو من أحادية القطب الأميركية.

سيكون من الطبيعي أن تولد هزيمة الولايات المتحدة خسارة وهزائم لكل من تحالف معها في هذه الحرب على روسيا وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي نشهد فيها عدم تجاوب دول عديدة مع سياسة مقاطعة روسيا، ولا شك أن إسرائيل ستتعرض لخسارة كبيرة مع التطورات التي سيفرضها عالم متعدد الأقطاب وسيتضاءل كثيراً دورها الوظيفي في المنطقة، وستفرض عليها التطورات الناجمة من مقاومة سبعة ملايين فلسطيني في داخل كل فلسطين المحتلة بداية مرحلة حاسمة لهزيمة مشروعها الصهيوني، فالكل يرى أن خروج جبهات لدول عربية من الصراع في نهاية السبعينيات والتسعينيات، ولد جبهة حرب فلسطينية مسلحة في قطاع غزة وجبهة حرب فائقة التسليح في جنوب لبنان، وجبهة حرب شعبية ومسلحة نسبياً في كل شبر من فلسطين المحتلة، وكل هذه الجبهات تجد في جبهة دمشق وطهران وقوى المقاومة في العراق، قاعدة دعم لا يتوقف من أجل استعادة الحقوق وتحرير ما بقي من أراض محتلة في الجولان وفلسطين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن