قضايا وآراء

بالإجماع.. «المطبعون مجرمون»

| أحمد ضيف الله

قرار تاريخي شجاع وجريء، مثّل إرادة الشعب العراقي الذي يعتبر أن القضية الفلسطينية هي من أولى أولوياته التي قدم لها كل التضحيات من دون حدود، من أجل أن تبقى فلسطين عربية، والقدس الشريف عاصمتها الأبدية.

بإجماع 275 نائباً حضروا الجلسة، أقر مجلس النواب العراقي في الـ26 من أيار 2022، قانون «حظر التطبيع وإقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني»، لردع كل من يعمل على التطبيع وإقامة العلاقات مع الكيان الغاصب، بمخالفة ثوابت الشعب العراقي والأمة العربية في الدفاع عن فلسطين وشعبها، وبتحرير كل الأراضي العربية المحتلة.

التغييرات الحاصلة في الساحات العربية، والتطورات العلمية والمجتمعية من انترنت وفضائيات، ألزمت الحاجة إلى تشريع هذا القانون، لقطع الطريق على محاولات الكيان الصهيوني اختراق المزيد من العواصم العربية بالتطبيع المذل، وقد جاء رداً على تزايد خطوات المطبعين في المنطقة، وعلى وما يشاع من أن العراق سائر في هذا الطريق، والقانون الذي كان قد قدم إلى المجلس النيابي في الـ24 من نيسان 2022، ليس بديلاً عن قانون العقوبات رقم 111 لعام 1969 الذي نص على عقوبة الإعدام بحق من يتعامل مع الكيان الصهيوني.

القانون جرم التطبيع مع الكيان الصهيوني بأي شكل من الأشكال، مانعاً «إقامة أي نوع من العلاقات الدبلوماسية أو السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية أو الثقافية أو غيرها» معه، معاقباً «بالسجن المؤبد أو المؤقت كل مَن سافر إلى الكيان الصهيوني أو زار إحدى سفاراته أو مؤسساته في دول العالم كافة أو اتصل بأي منها»، وبالإعدام أو السجن المؤبد «كل من أقام أي علاقة مع الكيان الصهيوني، دبلوماسية أو اقتصادية أو سياسية أو عسكرية أو أمنية أو أي علاقة من نوع آخر»، وكل من «طبع أو تخابر مع الكيان الصهيوني أو روج له أو لأي أفكار أو مبادئ أو أيديولوجيات أو سلوكيات صهيونية أو ماسونية بأي وسيلة كانت علنية أو سرية بما في ذلك المؤتمرات أو التجمعات أو المؤلفات أو المطبوعات أو وسائل التواصل الاجتماعي أو أي وسيلة أخرى»، حيث تسري أحكام القانون على الأشخاص العاديين وجميع المسؤولين، وكل وزارات ومؤسسات الدولة في المحافظات والأقاليم، والشركات العامة والخاصة ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى شركات المستثمرين الأجانب في العراق.

وزارة الخارجية الأميركية وفي بيان لها في الـ26 من أيار الجاري، أعلنت أن «الولايات المتحدة منزعجة بشدة من تمرير البرلمان العراقي لتشريع يجرم تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بالإضافة إلى تعريض حرية التعبير للخطر وتعزيز بيئة معاداة السامية»، الذي يقف «في تناقض صارخ مع التقدم الذي أحرزه جيران العراق من خلال بناء الجسور وتطبيع العلاقات مع إسرائيل»، مؤكدة أن «الولايات المتحدة ستواصل دورها كشريك قوي وثابت في دعم إسرائيل».

كذلك قال وزير دولة الظل للشؤون الخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية في بريطانيا في تغريدة له: إنه «أمر مثير للقلق بشكل لا يصدق أن البرلمان العراقي قد أصدر قانوناً يجرم، بل ويهدد بالقتل، لأولئك الذين لديهم علاقات مع إسرائيل»، مضيفاً «يجب على الحكومة البريطانية أن تستخدم ثقلها الدبلوماسي بشكل عاجل لردع العراق عن هذا القانون المروع».

وبطبيعة الحال، أدانت الخارجية الإسرائيلية في بيان لها في الـ27 من أيار 2022 صدور القانون، معتبرة أنه «يضع العراق والشعب العراقي في الجانب الخطأ من التاريخ وبمعزل عن الواقع».

القرار التاريخي يُعد خطوة كبيرة ومهمة في مواجهة مسيرة ‏التطبيع المذلة التي قامت بها 6 دول، هي مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب والسودان، من أصل 22 دولة عربية، مؤكداً موقف الشعب العراقي الدائم والثابت، الداعم للشعب الفلسطيني ومقاومته ‏البطولية في مواجهة العدوان والإرهاب الصهيوني، رغم المعاناة التي مر بها من احتلال أميركي وإرهاب، وظروف اقتصادية وسياسية قاسية.

في المؤتمر الـ33 الاستثنائي الطارئ للاتحاد البرلماني العربي الذي انعقد في القاهرة في الـ21 من أيار 2022، تحت عنوان «المسجد الأقصى وجميع المقدسات الإسلامية والمسيحية أولويتنا الأولى»، قال رئيس المجلس النيابي العراقي محمد الحلبوسي: «اسمحوا لي أن اسجل اعتراضي على ذكر اسم دولة إسرائيل في البيان، نحن كعرب نبحث عن إقامة دولة عربية في فلسطين، لذلك لا يجب أن نضمن اسم إسرائيل كدولة»، مضيفاً «أطلب من حضرتك ومن اتحادنا أن يتم الإشارة إلى إسرائيل بالكيان الإسرائيلي المحتل، وهذا سبق أن طرحناه في جلسات سابقة لاتحاد البرلمان العربي»!

إن حالة الصراع والانسداد السياسي الحاصل في تمرير مرشحي رئيسي الجمهورية والوزراء منذ سبعة أشهر، لم يمنع الكتل النيابية من تجريم الصهيونيّ الذي فينا الذي يزرع بذرة الخراب في أرضنا، بقانون ستظل الأجيال العراقية والعربية تتذكره على الدوام كمنجز، وكبصمة تاريخية لنواب عراقيين شجعان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن