عاد مؤخراً رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، لطرح إقامة ما يسميه «المنطقة الآمنة» في شمال شرق سورية لتوطين لاجئين سوريين فيها، وهو مشروع عزف على وتر إقامته منذ شن الحرب الإرهابية على سورية في آذار 2011، لكنه أخفق في ذلك بسبب مواقف الدولة السورية ومواقف الدول الفاعلة في الأزمة من روسيا وأميركا وإيران والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية.
اليوم ومع التطورات السياسية والميدانية العالمية والدولية، وخاصة منها العملية العسكرية الروسية ضد النازيين في أوكرانيا، والاصطفاف الغربي إلى جانب كييف ومحاولات أميركا والدول الأوروبية جذب أكبر عدد من الدول إلى جانبها لمواجهة روسيا، ومنها تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي «ناتو»، رفع أردوغان قبل أيام من نبرة حديثه بشأن إقامة «الآمنة»، وأعلن أن نظامه سيبدأ عمليات عسكرية جديدة على طول حدودها الجنوبية لإقامة «مناطق آمنة» في داخل الأراضي السورية بعمق 30 كيلومتراً.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل التطورات السياسية والميدانية العالمية والدولية الجديدة والمواقف الدولية منها، تمسح لنظام أردوغان بتنفيذ مشروع «الآمنة» الذي يهدف إحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة، أم سيفشل في ذلك كما حدث سابقا؟
من نافل القول، إن موقف نظام أردوغان الذي أعلنه مؤخراً ورفض فيه انضمام كل من السويد وفنلندا إلى «الناتو» خلافاً لرغبة كل الدول الأعضاء في الحلف، أراد منه استغلال دول الاتحاد الأوروبي والغرب عموماً للموافقة على إقامة «الآمنة» والمساهمة في ذلك، وقد كان ذلك واضحاً للغاية في كلامه.
لكن قرار وزارة الخزانة الأميركية الذي تضمن استثناء مناطق سيطرة ميلشيات «قسد» من العديد من عقوبات ما يسمى «قانون قيصر»، وعمليات واشنطن لتعزيز وجودها العسكري في تلك المناطق من خلال العودة إلى قواعد عسكرية كانت قد انسحبت منها قبل سنوات، يشير إلى أنه من المستبعد أن ترضخ واشنطن إلى ابتزاز النظام التركي لمسألة انضمام كل من السويد وفلندا إلى «الناتو»، وسينصاع وراء موقفها بقية أعضاء الحلف بسبب هيمنة واشنطن عليه وعلى قراراته، وبالتالي يعتقد أن أميركا وحلفاءها في «الناتو» لن يسمحوا للنظام التركي بشن عمليات عسكرية جديدة على مناطق سيطرة «قسد» لتنفيذ مشروعه بإقامة «الآمنة».
وعلى المقلب الآخر فإن روسيا، الحليف الأبرز لدمشق، ورغم انشغالها في عمليتها العسكرية ضد النازيين في أوكرانيا، مازالت على ثوابتها تجاه الملف السوري، ويؤكد ذلك إصرارها على تنفيذ النظام التركي لالتزاماته المترتبة عليه في الاتفاقات الموقعة معه بشأن منطقتي «خفض التصعيد» وشمال شرق سورية، وذلك عبر تذكير هذا النظام برسائل من نار تستهدف بشكل متواصل إرهابييه في الأولى، عدا عن استمرارها في توجيه ضربات موجعة لتنظيم داعش الإرهابي في البادية الشرقية، بالتوازي مع مواصلتها العمل على مسارات الحل للأزمة السورية، ومنها عقد الجولة ١٨ من مسار «أستانا» منتصف الشهر القادم وكذلك الجولة الثامنة للجنة المصغرة لمناقشة تعديل الدستور في جنيف نهاية الشهر الجاري، إضافة إلى إعلانها المسبق معارضة تمديد آلية إيصال المساعدات الأممية عبر الحدود من خلال معبر باب الهوى على الحدود التركية – السورية لأنها «تنتهك سيادة سورية ووحدة أراضيها»، والتي يفترض أن يصوت عليها مجلس الأمن الدولي مطلع تموز المقبل.
كل المواقف السابقة تشير إلى أن روسيا التي لا تفوت مناسبة إلا وتؤكد فيها حرصها على وحدة الأراضي السورية وضرورة فرض الدولة لسيادتها على كامل أراضيها، ستواصل العمل على الوقوف في وجه مخططات ومشاريع أردوغان الهادفة إلى توسيع مناطق احتلاله في شمال البلاد.
أردوغان ورغم تحركاته الدولية الأخيرة في المحيط الإقليمي، للإيحاء بحصول تغير ما في سياسة النظام التركي الخارجية، يريد أن يقول للدول الفاعلة في الملف السوري عبر تصريحاته، إنه سيبدأ عمليات عسكرية جديدة في شمال سورية لإقامة «الآمنة»، وإنه غير آبه بمواقفها ومصرّ على إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية الآفلة وتثبيت قواعد الميثاق الملي عام 1920، فهل ستبقى الدول الفاعلة هذه على مواقفها، وتُفشل مشروع رئيس النظام التركي كما حدث سابقاً؟
في السياسة ربما كل شيء ممكن، لكن أميركا، الرافضة لخطط أردوغان، ليست وحدها صاحبة النفوذ في الشمال السوري، فهناك روسيا التي لم يحصل أن تراجعت عن مواقفها الداعمة والمناصرة لسيادة ووحدة أراضي الدولة السورية، وبالتالي فإن مخططات أردوغان تجاه «الآمنة» لن تكون على الأغلب سوى أضغاث أحلام.