مدينتي الفاضلة!
عصام داري :
في سكون الليل تحلق أحلامك كعصافير ملونة في جنة لا تعرف البغضاء والأحقاد والحسد، وكل ما أفرزت النفس البشرية من شرور وآثام ووحشية فاقت في عصرنا توحش ما يعيش في كل غابات العالم من كواسر.
نهرب بأحلامنا من زمن صارت القيم فيه عملة نادرة، والمثل بضاعة بالية، والحب تهمة يعاقب عليها القانون الذي «يرمي المرأة بخمسين حجراً» لأنها لا تستحق إلا مخادع رجال القبيلة، وسوق النخاسة.
الحلم يحررنا ولو لبرهة، من عقدنا المتوارثة منذ بدء الخليقة وحتى يوم لا علم لنا به، يجعلنا نثور على تقاليد وأفكار توارثناها من سجلات الخرافة والأسطورة، لنخاف من الغول والعنقاء، ونفتقد الخل الوفي، الذي إذا أراد أن يطعنك، فيطعنك في الصدر وليس في الظهر، فالطعنات الباقية تأتيك في الظهر!.
في عصرنا الحافل بالأمراض الجسدية والنفسية المستعصية على الشفاء، هناك طرق عديدة للشفاء، منها ما يعتمد على الطب الحديث والأدوية الكيماوية والمحضرة في مخابر ومصانع الدواء، ومنها ما يعتمد على الطبيعة والتداوي بالأعشاب، وهناك التداوي عند المشعوذين الذين يطردون الجن من الجسد، والعياذ بالله، وهناك من يعطيك وصفة رخيصة وسهلة كأن تقول كلمة كذا ثلاثمئة وثلاثاً وعشرين مرة فيكتب لك اللـه الشفاء، وإياك أن تخطئ العد!!.
وأنا ابتكرت دوائي الخاص الذي لا يؤذي أحدا، بل هو مريح ومجرب، إنه التداوي بالأحلام، وما عليك إلا أن تحلم، إن لم يكن وأنت نائم، ففي اليقظة، وما عليك إلا أن تغمض عينيك و.. تحلم!.
فإذا أردت أن تكون رومانسياً احلم مع أغنية ماجدة الرومي وهي تشدو بصوتها الرائع «أنا عم احلم.. ليل نهار، بالورد المليان زرار»، أما إذا أردت أن تدخل جنة الحب فلك أن تستمع إلى أغنية عبد الحليم مثلاً وهو يغني « بحلم بيك أنا بحلم بيك.. وبأشواقي مستنيك»، وإذا شطح بك الخيال ومضت بك أحلامك إلى ما هو أبعد من ذلك، فبإمكانك أن تحلم بامتلاك «طاقية الإخفاء» وأن تصبح الرجل الخفي وتذهب في مهمات قتالية، مثلاً، ضد من يهددون أسرتك وجيرانك وحيك ووطنك، وتقضي عليهم بكل سهولة ومن ثم تصبح بطلاً وطنياً، لكنني لا أنصحك باستخدام طاقية الإخفاء في الأعمال الشريرة كسرقة المصارف ومحلات الصاغة والمجوهرات، كما فعل الممثل توفيق الدقن في فيلم «طاقية الإخفاء».
لكنني في أحلامي لم أذهب في أي طريق من الطرق السابقة والمتعبة، بل ذهبت إلى مملكة الحب السرمدي التي لا يتقن أهلها إلا الحب والمحبة والتواد، وهم لا يعرفون البغضاء، وليس في قواميسهم كلمة الحقد أو الكراهية، هناك يعاقب القانون كل من يكذب، حتى في الأول من نيسان.
أحلم بالمدينة الفاضلة التي تخيلها الفيلسوف الإغريقي، لكن بمقاييس ومفاهيم هذا العصر، ففي مدينتي الفاضلة تستطيع أن تقول ما تشاء من دون أن تخاف الاعتقال، وفيها ينتهي عصر الفقر والفقراء، ولا يوجد جشع وتجار يأكلون لقمة الشعب ويمصون دمه بتلذذ، ولا فساد وفاسدون ومفسدون.. و.. هنا يجب أن أصحو من الحلم خشية من العواقب.. والسلام عليكم و.. و..!