قضايا وآراء

أزمة الحكم في تل أبيب ودوامتها المستعصية

| تحسين الحلبي

بعد مرور سنة على ولادة قيصرية لحكومة ائتلافية في الكيان الإسرائيلي، عادت هذه الحكومة إلى دوامة الافتقار لأغلبية مضمونة تتيح استمرارها، علماً أن حزباً عربياً برئاسة منصور عباس يضم أربعة أعضاء كنيست من العرب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 هو الذي أتاح لهذه الحكومة المتطرفة جداً، أن تفوز بأغلبية في البرلمان من ستين مقعداً مقابل 59 فبقيت عرجاء وها هي الآن تتعرض للاستعصاء والطريق المسدود نفسه الذي واجهته الأحزاب الإسرائيلية في أربع دورات انتخابية متتالية في عام 2019 مرتين، وثالثة في عام 2020 ورابعة عام 2021، ففي استطلاع للرأي أجرته في 27 أيار الجاري صحيفة «جروزليم بوست» الإسرائيلية الصادرة باللغة الإنكليزية تبين أن 70 بالمئة من الإسرائيليين لا يريدون مشاركة أي حزب عربي في حكوماتهم الائتلافية ويصرون على حكومة لا تضم تأييداً إلا من اليهود وحدهم، وتبين أن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ عام 48 منقسمون بين مؤيد لمشاركة أعضاء كنيست عرب في الحكومات إذا كان ذلك يخدم قضاياهم المعيشية، وبين معارض يرفض أي مراهنة على هذه الحكومات، وتوقع استطلاع للرأي احتمال أن يفوز الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو بـ35 مقعداً إذا جرت الانتخابات في هذه الأوقات، مقابل 20 مقعداً لحزب «يوجد مستقبل» الذي يعد أكبر ثاني حزب لكن نتيجة الاستطلاع تشير إلى تفاقم في الأزمة الحزبية والسياسية في الكيان الإسرائيلي لأن الانقسام بين أحزاب اليمين لايزال لا يتيح لأي من الحزبين الكبيرين فرصة ضمان 61 مقعداً من 120 مقعداً لتشكيل حكومة ائتلافية، كما اتضح أن حزب عباس منصور نفسه الذي ضمن الأغلبية لحكومة نفتالي بينيت الحالية، لم يعد لمقاعده الأربعة التي سيفوز فيها في أي انتخابات مقبلة، قيمة لمنح أغلبية لنفتالي بينيت هذه المرة بل إن القائمة العربية المشتركة برئاسة عودة ستفوز بثمانية مقاعد لكنها لن تفعل ما فعله عباس حين دعم حكومة بينيت، ويرى المحللون المختصون بشؤون الأحزاب أن فرصة نتنياهو لتشكيل حكومة تزيد على فرصة يائير لابيد رئيس حزب «يوجد مستقبل» لأن استطلاع الرأي يشير إلى حصوله على تأييد من 59 مقعداً، وإذا انشق عضوا كنيست من بقية الأحزاب الصغيرة الأخرى سيكون قادراً على تشكيل الحكومة المقبلة لكن هذا السيناريو يعني في الحقيقة أن الكيان السياسي الإسرائيلي بلغ أوج أزماته العميقة من نواح كثيرة وخاصة في مدى صلاحية المشروع الصهيوني بعد أن تعرضت إسرائيل إلى الإخفاقات والعجز أمام ثلاث جبهات طوال عقدين من الزمن وفشلها في تخفيض قدرات قوة هذه الجبهات من الشمال سورية وجنوب لبنان ومن الجنوب فصائل المقاومة المسلحة في قطاع غزة المحرر المحاصر ومن الوسط جبهة في القدس والضفة الغربية حتى أراضي فلسطين المحتلة عام 1948 فإسرائيل تجد نفسها الآن على الرغم من توسع الاستيطان في مواجهة سبعة ملايين من الفلسطينيين المحيطين بقوات الاحتلال والمستوطنات من كل جانب في ظل تآكل قدرات جيش الاحتلال والانخفاض الحاد في معنويات جنوده منذ هزيمة تموز 2006 في حرب لبنان الثانية بموجب ما تطلق عليها إسرائيل وباعتراف الجنرال المتقاعد يتسحاق بريك المسؤول عن استيعاب وتأهيل المجندين الجدد في مجلة الأبحاث العبرية «هاشيلواح».

ويقر المحللون في داخل الكيان الإسرائيلي بأن مشروع «يهودية الدولة» الذي أطلقه أريئيل شارون في عام 2001 أي إيجاد دولة لليهود وحدهم انضم إلى قائمة المشاريع الصهيونية الفاشلة بفضل المقاومة ووحدة الشعب الفلسطيني وزيادة تماسكه الوطني في داخل فلسطين المحتلة عام 1948 مع بقية الشعب في الضفة الغربية وقطاع غزة واللاجئين الفلسطينيين في الخارج وهذه العوامل هي التي تولد أزماته الداخلية السياسية والانشقاقات بين أحزابه العاجزة عن حل هذه الأزمات التي تجبره على عقد انتخابات متتالية مسبقة خلال السنوات الأربع الماضية ومن دون أن تجد لها هذه الأحزاب مخرجاً وقد شهدت هذه الأحزاب حين تشكلت منها الحكومات خلال ثلاثة عقود هذه الإخفاقات والهزائم نفسها بشكل متكرر ولم يعد لدى قادتها ما يمكن تجربته لتحقيق أهدافهم وهذا ما جعل مراكز أبحاث إسرائيلية وأميركية تشكك بمستقبل بقاء هذا الكيان في السنوات العشر المقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن