ثقافة وفن

«نظريات في قفص الاتهام»…. ماهية عدد من النظريات الإشكالية التي سوّغت الاستعمار والاستعباد

| مايا سلامي

صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب كتاب بعنوان « نظريات في قفص الاتهام»، تأليف محمود بدوي نقشو، يقع في 559 صفحة من القطع الكبير، ويهدف الكتاب إلى البحث في ماهية جملة من النظريات التي وبحسب رأي كاتبه تفوح منها رائحة الدم والنفط والاستعباد وتسويغ الاستعمار والقتل ونهب الثروات منها نظريات: (غوبلز)، (ميكافيللي)، (مالتوس)، (داروين)، (ليدن)، (بريجنسكي)، (فوكوياما)، (هنتنغتون)… تلك التي تسوغ ما تسوغه من توجهات الهيمنة وتنظّر لمصائر أمم وحضارات عظيمة لا تطلب غير العيش الكريم والإسهام بما تمتلك في إعمار هذا الكوكب لكنها تصطدم في حاضرها ومستقبلها بتلك النظريات الشريرة وذلك العلم القبيح.

فبقدوم القرن التاسع عشر (قرن الانتفاضة الشاملة) ظهرت «نظرية التطور» على يد داروين التي أسست لقاعدة أن الحياة صراع والبقاء للأنسب أو الأقوى، حينئذ آمن الناس أن الوجود مرتبط بالقوة وأن الصراع الحتمي على البقاء لا يسمح بالتفريق بين وسيلة وأخرى فليست العبرة بنوع الوسيلة لكن بضمان النتيجة وتحقيق الغاية التي هي البقاء في حد ذاته وهنا تفاعلت «الميكافيللية» مع «المالتوسية» و«الداروينية» في المشهد الحديث للعالم. حيث تقول «الميكافيللية» إن الحق هو القوة و«الداروينية» تقول: إن الوجود هو القوة، وبما أن «الداروينية» نظرية علمية فلتكن «الميكافيللية» كذلك، ومن أجل إيجاد أعداء محتملين تسوغ بموجبهم ميزانيات التسلح في الإدارات الحاكمة الغربية والأميركية تحديداً كانت نظرية (نهاية التاريخ) لتأكيد سيادة النموذج الأبيض وسيادة القطب الواحد ونظريات (صراع الحضارات) و(الليبرالية الجديدة) و(الفوضى الخلاقة).

النظرية

في البداية يذهب الكاتب إلى تعريف مفهوم النظرية بشكل عام لغة واصطلاحاً فيذكر أنه: «ورد في تعريف النظرية أنها مجموعة من الأفكار والمفاهيم المجردة المنظمة قليلاً أو كثيراً والمطبقة على ميدان محدد، كما جاء في معجم روبير في موضع ثان أنها بناء عقلي منظم ذو طابع فرضي تركيبي، وأنها إنشاء تأملي للفكر يربط نتائج بمبادئ وفق المعجم الفلسفي للفيلسوف الفرنسي أندريه لالاند، وجاء في معناها الاصطلاحي التأملي أنها نسق من المبادئ والقوانين ينظم المعرفة بمجالات خاصة من الواقع ويتضمن هذا النسق بناء منطقياً له مكوناته ويخضع لنظام فرضي استنباطي».

كما يبين أن مفهوم النظرية استخدم للمرة الأولى في الفلسفة اليونانية للإشارة إلى المصطلحات والمفاهيم التي تخالف التطبيقات العملية الواقعية وعدّ الفيلسوف اليوناني أرسطو أول من اعتمد فكرة النظرية للتفريق بين الحقائق المطبقة فعلياً والنظريات الفكرية، ثم أصبح مصطلح النظرية من المصطلحات المعرفية التي تستخدم في العديد من المجالات سواء الفلسفية أم العلمية أم غيرها.

نظريات مؤثرة

في هذا الجانب يستعرض المؤلف نظريتا (الانتقاء الطبيعي) للإنكليزي داروين و(النسبية) للألماني آينشتاين، أقوى نظريتين علميتين على الإطلاق أثرتا وما زالتا تؤثران في العالم.

فيشير إلى أن: «نظرية التطور بالانتقاء الطبيعي لتشارلز داروين المعنية بالتغير في السمات الوراثية الخاصة بأفراد التجمع الأحيائي عبر الأجيال المتلاحقة حيث السيرورات التطورية تحدث تنوعاً حيوياً في كل مستويات التصنيفية ترى أن الحياة على الأرض نشأت وتطورت منذ نحو 3،7 بلايين عام ويستدل على التنوع المتجدد بالنظر إلى المجموعات المشتركة من السمات التشكيلية والكيميائية الحيوية، ويمكن استخدامها في إعادة بناء التاريخ التطوري بالاستناد إلى الأنواع الموجودة حالياً والسجلات الأحفورية أيضاً وتشكل أنماط التنوع الحيوي».

وأوضح أيضاً أن النظرية النسبية لألبرت آينشتاين والتي فسرت الجاذبية بعدّها تقوساً للفضاء فيقول عنها الأميركي ستيف غيدينغز: شكلت هذه الفكرة المركزية أفكارنا عن علم الكون وقدمت لنا صورة الكون الآخذ في الاتساع، وتفسر ظاهرة الثقوب السوداء وانكسار الضوء وتطرح تفسيراً محتملاً لأصل كوننا.

نظرية الليبرالية الجديدة

ويتحدث الكاتب عن ماهية النظرية الليبرالية الجديدة وأبرز تأثيراتها، فيقول: «نظرية الليبرالية الجديدة هي حزمة السياسات الاقتصادية التي انتشرت على نطاق واسع في العقود الأخيرة ورغم قلة استخدامها إلا أن تأثيراتها الكبيرة واضحة لمتتبعيها والتي بموجبها ازداد الفقراء فقراً والأثرياء ثراء في السنوات السابقة، لقد خربت هذه النظرية العالم ويعود ظهورها إلى مجموعة من المعتقدات الاقتصادية التي وضعها عام 1938 الألماني ألكسندر روستوف الذي كان واحداً من مجموعة صغيرة من المفكرين الأوروبيين والأميركيين الذين بدؤوا بالتنظم حول ضرورة إعادة تعريف القيم الليبرالية».

وأدت هذه النظرية دوراً رئيساً في العديد من الأزمات منها أزمة الانهيار المالي عام 2008 وأزمة off- shore التي كانت فضيحة أوراق بنما جزءاً بسيطاً منها، وأزمة الانهيار البطيء للصحة العامة والتعليم وعودة ظهور الفقر في أوساط الأطفال وانتشار حالة الشعور بالوحدة وانهيار الأنظمة البيئية.

النظريات الإعلامية

ومن الأشياء المميزة في هذا الكتاب هو التطرق إلى نظريات السيطرة الإعلامية والتي تأتي نظرية الألماني جوزيف غوبلز في مقدمتها والمسماة «نظرية التأطير» وتفيد بتعمّد سارد القصة أو الخبر أو التحليل إبراز جوانب من السرد أو الحدث والتركيز عليها وإغفال أو تجاهل أو طمس الأجزاء الأخرى حسب هوى المتحدث وميوله وموافقتها لسلم الأولويات لديه في القناة الإعلامية.

ويوضح المؤلف أن الأصل في النظريات الإعلامية جميعها نظريتان اثنتان « نظرية السلطة» و« نظرية الحرية» وتولدت عنهما نظريتان أخريان هما « نظرية المسؤولية الاجتماعية» و«النظرية الشمولية» أما الدول النامية فقد حاولت تبني نظرية «إعلام التنمية» لتكون المعبر عن سياساتها.

ومن النظريات الإعلامية أيضاً نظرية « السلطة في الإعلام» التي تعد أولى النظريات الإعلامية إذ نشأت في إنكلترا في القرن السادس عشر واستمرت في الدول التي مورس فيها الحكم السلطوي، وللفلسفة السياسية لمفهوم السلطة تاريخ طويل يمكن تتبعه منذ نظرية أفلاطون أكبر مناصر للقانون والنظام، حيث استمرت هذه النظرية على النهج الذي رسمه أفلاطون حتى عصر الطباعة وإن بأشكال مختلفة على يد فلاسفة آخرين أمثال الإيطالي ميكافيللي الذي دعا إلى إخضاع كل شيء لأمن الدولة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن