من دفتر الوطن

الحشاش السعيد!

| عصام داري

قبل كل شيء سأعرفكم على صديقي الحشاش وهو سيخبركم بدوره لماذا هو سعيد.

منذ نحو ربع قرن «لطشت» زاوية «حديث حشاش» من تاريخ الصحافة السورية ومن الصحفي الكبير الراحل حبيب كحالة صاحب مجلة المضحك المبكي التي كانت المجلة الساخرة العربية الأولى، من يومها كتبت عشرات، وربما مئات المقالات الساخرة في زاوية «حديث حشاش».

اليوم تمرد عليّ الحشاش وأراد أن يسرق قلمي وأفكاري ويكتب على هواه، أو عن السعادة التي هاجمته من دون سابق إنذار، فاسمعوا ماذا قال:

أعبر لكم عن سعادتي الغامرة التي جاءت رداً على بعض أصدقاء كاتب هذه الزاوية الذي نسي الفرح وغرق في حزن لا معنى له.

أنا اليوم سعيد وفرحان جداً لأنني أولاً اكتشفت أن هناك من يقرأ حتى يومنا هذا، وإن كان العدد قليلاً جداً وربما نادر.

فالقراءة هذه الأيام لا يقربها إلا كل طويل عمر وبال ومرتاح نفسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً!.

نعم عسكرياً لأن معظمنا يعيش حالة حرب وحالة حصار يومية بحثاً عن رغيف خبز إضافي نسد به رمقنا، ولتر بنزين صار فوق قدرة الرجال الرجال!

نخوض معارك يومية من أجل تسديد الفواتير الحقيقية والرمزية، أولاها فاتورة الكهرباء التي رفعوا ثمنها وزادوا تقنينها، وعلينا أن نفرح لأننا مازلنا نشعر بوجود هذه الكهرباء في حين هناك شعوب ربما في مجاهل إفريقيا أو كوكب المريخ أو في أريافنا يسمعون عنها فقط.

علينا أن نفرح ونكون سعداء فمازال الخبز رخيصاً، فسعر الرغيف لا يتجاوز مئتي ليرة إلا قليلاً، صحيح أن نصفه يذهب «للتيبيس» أي التجفيف لكنه خبز على أي حال وهو يصلح للفتوش من استطاع إليه سبيلاً.

وعلى سيرة الفتوش لا أعلم كم يبلغ «جاط» أو صحن الفتوش في المطاعم، فقد قاطعت المطاعم والمقاصف والمقاهي منذ سفربرلك، لكنني أعلم أن صحن الفتوش يكلف في البيت «بقرة جحا» فالبندورة بأربعة آلاف ليرة والزيت البلدي اللتر الواحد يعادل سعره نحو ربع الراتب، يضاف إلى ذلك الخيار والخس وغيره، فالفتوش صار للباشوات وليس طعام الفقراء.

أنا سعيد فقد تجرأت وطلبت سندويش شاورما دجاج لأربعة أشخاص بمناسبة فرح مهمة، لكن هذه الوجبة أخذت ستين بالمئة من راتبي الشهري، وبدأت أعد الأيام كي يأتي أول الشهر كي أستعيد بعض توازني الاقتصادي، لكنني لم أستطع.

لكن المصيبة الجميلة! أنني كنت أوفر مبلغاً من المال لدفع فاتورة الموبايل فهو كما تعرفون أصبح من ضروريات الحياة، فعلمت أن الفاتورة ستزيد بنسبة معقولة دون المساس بحال الناس وخاصة محدودي الدخل، «دخيل اللـه» كم هي جميلة هذه الحياة التي توفر لك السعادة وأنت في بيتك تتأمل القمر وتغني الهوا هوايا، وتحمد ربك لأنك تتنفس مجاناً، لكن.. هل سيأتي اليوم الذي يفرضون ضريبة على الهواء؟ إذا حصل.. أكلنا هوا.. وسنغني مع أم كلثوم جميعا: أكل الهوا يا ليل.. عفواً: أهل الهوا يا ليل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن