ثقافة وفن

احتفالية «من روما إلى ريبون».. تستضيف التشكيلية السورية! … سارة شمّا لـ«الوطن»: أركز على الشكل البشري.. فهو أهم ما يجذبني منذ أن بدأت إلى هذه اللحظة

| سارة سلامة

فنانة سورية اتجهت نحو الضوء وحلقت للعالمية بتجربتها التشكيلية الفريدة، استطاعت سارة شمّا أن تخط اسمها وتكون خطها وتنظم مشروعها الفني الذي يمتد لأكثر من 25 عاماً، قدمت فيه لوحات تحاكي روحها، تركز كثيراً على الشكل البشري، فمن خلال تجسيدها وعشقها لفن البورتريه استطاعت أن تتحدث عن أوجاعنا وآمالنا وأحزاننا، تكنيك مهم تحيكه في لوحاتها، يقربها من الحس الصوفي، وتجتاز به الموسيقا وصوفيتها، تحبك قصصاً تحكيها بوجوه وحالات، تراقب نفسها مراراً بمرآة لتحاكي ساعات العمر وتغيراتها.

فنانة وإنسان مرهفة تقدم اليوم تجربتها عالمياً تجعلنا فخورين حقيقة بكل تفاصيلها.

تقف إلى جانب المستضعفين والمتضررين وتحارب العبودية وتناهض الحروب في لوحاتها، لا يهم إن استطاعت تغيير الواقع ما يهم أنها تؤثر في النفس البشرية وتوغل في تشكيل وجهات نظرنا.

تواصلنا معها في جريدة «الوطن» متحدثين عن إنجازها الأخير، حيث تعرض مجموعة من لوحاتها التي تصور القديس ويلفريد مؤسس كاتدرائية «ريبون»؛ في صحن الكنيسة آخر بقايا كنيسة ويلفريد التي تأسست في الموقع عام 672، وأقدم مبنى باقٍ في أي كاتدرائية إنجليزية، وعن تاريخها وخطها وأبرز القضايا التي تتطرق لها، وما تركز عليه في لوحاتها عبر هذا الحوار.

• شاركت مؤخراً باحتفالية «من روما إلى ريبون»، من خلال مجموعة لوحات، سيتم تعليقها في صحن كاتدرائية «ريبون»، وعرضها لتوجيه الزوار إلى الكنيسة.. تحدثي لنا عن أهمية مشاركاتك وماذا تعني لك؟

بمناسبة الاحتفال بعيد الكاتدرائية وبعيد تأسيس مدينة ريبون عام 1350م، طلبوا مني إنشاء لوحات أعيد فيها تخيل القديس المؤسس لهذه الكاتدرائية، وأسس المدينة وإضافة إلى تخيل بعض من رفاقه، وبالنسبة لي أعجبت كثيراً بأحد واحد رفاقه حيث اعتبرته له علاقة بسورية لأن اسمه «سيودورف طرسوس»، وطرسوس في ذاك الوقت كانت هي سورية. أحببت فكرة الربط هذه وتجسيد هذه الشخصية.

ولاشك أنها مشاركة مهمة جداً بالنسبة لي لأنها جديدة ومختلفة، ومن المهم أن تعرض لوحاتي في مكان تاريخي عريق كهذه الكاتدرائية التي تعد من أقدم كاتدرائيات انجلترا، وذلك يعطي اللوحة بعداً آخر مختلفاً وساحراً.

• تجسدين الشكل البشري في غالب أعمالك.. في وقت نرى فيه العديد من الفنانين اتجهوا إلى تجسيد الحرب بأعمالهم، لماذا ابتعدت عن التطرق للحرب الدائرة، وهل برأيك الوجوه البشرية تعكس معاناتها عبر تعابيرها!

بالنسبة لي تعابير الوجوه تعكس كل المواضيع، فهي كفيلة بنقل كل ما يجري عبر تفاصيلها، وأركز على الشكل البشري، لأن الإنسان أهم ما يجذبني منذ أن بدأت إلى هذه اللحظة؛ لا شك أن الحرب أثرت بنا جميعاً، عشنا فيها وعاشت فينا بطريقة قوية جداً، ورغم أنني لم اختبر مواقف سيئة في الحرب ولم أخسر أفراداً قريبين مني، ربما هذا ما يجعلني لا أتأثر تأثيراً عملياً مثل غيري، لكن مع ذلك الحرب لم تعبر بشكل اعتيادي، وقدمت معرضاً عن الحرب عام 2015 عرضت لوحاتي بلندن وكان اسمه لوحات أوروبية حربية عالمية.

• عبر معرض «العبودية الحديثة» كنتِ إلى جانب الأنثى تجسدين ما تتعرض له من ظلم في مختلف المجتمعات، برأيك كم يستطيع الفنان تبني قضية والدفاع عنها عبر لوحاته؟

هذا المعرض كان تجربة مهمة وخاصة أن موضوع العبودية الحديثة يشغل بالي منذ زمن، وأصبحنا نراه كل يوم وفي كل مكان، إن كان بعمالة الطفل أم الإساءة للنساء وتجارة الجنس وأمور كثيرة، وفي هذا المعرض قابلت عدة نساء في لندن تعرضوا للتجارة، يتاجرن بهن من أوروبا الشرقية وأفريقيا، وهذا المعرض بالتعاون مع جامعة كينز بالتعاون مع قسم علم النفس؛ هم ساعدوني كي أقابل هؤلاء النساء وبالتعاون معهم أقيم المعرض.

وأرى أن الفن كي تكون له قيمة يجب أن تكون له علاقة مباشرة بالفنان؛ وإذا أردنا أن نتطرق إلى موضوع قاس يجب أن نكون إما متأثرون فيه أو شاهدون على جزء منه ببلداننا، حتى ننقله للمشاهد، وغير مهم إذا كان الفن لن يوقف حرباً ولا عبودية حديثة؛ إلا أنه يعمل تواصلاً مع المشاهد ويشكل عنده أسئلة ويغير وجهة نظره بأمور كثيرة.

• البورتريه بالنسبة لك حالة فنية تستطيع أن تحمل الكثير من القضايا نراك تبدعين في حياكة تفاصيلها، وكأنها تشبه ما بداخلك من قلق وخوف وأحياناً حب وكره وتخل واشتياق.. تحدثي لنا أكثر عن هذا الفن؟

البورتريه بالنسبة لي أهم فن وهو منذ صغري جعلني أحب الفن، حيث كنت أراقب وجوه الناس وتعابيرهم وعيونهم، وأقرأ ماوراء شخصياتهم، وكثيراً ما أجلس على المرآة وأرسم نفسي وأتعرف على نفسي أكثر وأكثر من خلال السنين التي تذهب وما التغيرات التي تطرأ على حالتي النفسية وشكلي وأعتبر هذا نوعاً من التأمل والمعرفة في الوقت ذاته.

• تتجلى الصوفية في أعمالك يمليها الحس المرهف والتقنية المبتكرة والتماهي مع اللوحة، ماذا تقولين عن ذلك؟

الصوفية هي حالة من الصفاء الذهني والرقي والارتفاع الذهني، أحب أن أعيشها كثيراً هي مفيدة جداً تغذي الإبداع، وخاصة أنني اهتم بالخروج عن اللاوعي الذي هو مصدر الإبداع. وكثير من الأحيان أستمع إلى موسيقا صوفية من بلادنا أو من الباكستان، وأستمع إلى أنواع موسيقا مختلفة ليس ضرورياً أن يكون لها علاقة بالصوفية لكن حالتها صوفية.

• بعد مشوار طويل يقرب من الـ 25 عاماً ما أبرز المعوقات التي يتعرض لها التشكيلي وكيف تقيمين هذا الفن في سورية؟

يتعرض التشكيلي إلى الكثير من المعوقات منها ممكن أن يحتاج إلى النقود أو يشعر بأنه ليس لديه ما يقدمه، كما يمكن أن لا يتوافر لديه الجو المناسب والدعم الكافي كي يبدع ويعمل.

أي إنسان في أي مجال هو بحاجة للدعم، يجب أن يكون مدعوماً إما من عائلته أو من مجتمعه أو من مؤسسات فنية تدعم وتساعد، إن كان التشكيلي العالمي أو السوري كلهم لديهم نفس المعوقات وإذا أردت أن أتحدث عن الصعوبات التي مررت بها، في الحقيقة لا أتذكر، لأني دائماً أتطلع للأمام وأرى الضوء والإيجابية، كان لدي محيط مساعد وداعم إن كان من عائلتي التي آمنت بي كثيراً، وكلية الفنون في سورية للحقيقة أقول إنني كنت محظوظة.

أما في سؤالك عن تقييم هذا الفن في سورية أرى أن فنانين على مستوى عال جداً وهناك طاقات هائلة؛ ولأنني أعيش في الخارج أصبحت أقدر هذا أكثر؛ إلا أن ما ينقصنا هو وجود مؤسسات ترعى وتدعم هذا الفن التشكيلي، حيث يوجد في إنكلترا وأوروبا مؤسسات كبيرة ترعى الفنانين أتأسف لأن لدينا فنانين مهمين ولكن لا يجدون الدعم الكافي، وأعتقد أن الأوضاع تذهب باتجاه التحسن على الرغم من أن المتشائمين ولكنني أرى أن هناك جميلة وإيجابية في بلدنا من خلال العديد من الغاليريات التي تدعم الفنانين الشباب؛ ومن خلال الجمهور المتعطش إلى الفن الحقيقي.

• كفنانة سورية وعالمية تحدثي عن أبرز ما يميز تجربتك؟

أنا لا أستطيع أن أقول ما أبرز ما يميز تجربتي لأن هذا الشيء للمشاهد وكل مشاهد يرى ما يميز تجربتي بشكل مختلف عن الثاني، بالنسبة لي وما الذي أحاول أن أؤكد عليه ولا أخسره هو أنه دائماً أجد شيئاً جديداً ودائماً يكون لدي دهشة وسعادة عندما انتهي من العمل الفني، الشيء الذي يمتعني كثيراً في عملي هو حالة الاكتشاف التي أعيشها بالعمل الفني لا أعمل اسكتشات ولا أفكر ماذا سأرسم لكن عندما تنتهي اللوحة هي لحظة جميلة جداً وفجأة انفصل تماماً عن هذه اللوحة وأصبح مشاهداً وبذلك اكتشف فيها أمور جديدة ومختلفة إن كان باللون أو التعبير أو شكل أو تكنيك تقني.. إلخ وهذا الشيء الذي أركز عليه بعملي دائماً.

• هل هناك فنان نستطيع أن نقول إنه ملهم بالنسبة لك؟

عندما كنت بعمر 14 عاماً تأثرت كثيراً بالفنان «سلفادور دالي» لأن اللاوعي يلفتني وهو يركز على اللاوعي لأن مدرسته سيريالية، وبعمر 17 تأثرت ببيكاسو كثيراً وتعلمت منه ومن تجربته المتنوعة؛ ومن حالة النجاح التي عاشها كتجربة فنية هائلة هي حالة نجاح هائلة وغيره الكثير.

لكن اليوم ما يؤثر بي هي الحالات التي أعيشها إن كانت سيئة، أو جيدة؛ والأشخاص، التفاصيل التي يعيشها الإنسان والتي تقربني إلى حد ما.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن