عناوين عديدة حملتها وسائل إعلام غربية تتحدث فيها عن ملامح انعطاف سياسي بالمواقف الأوروبية تجاه العملية العسكرية الروسية الخاصة لحماية إقليم دونباس، ولعل أبرز هذه العناوين حملته مواقع إعلامية أميركية أولها مجلة «نيوزويك» التي أعلنت أن ألمانيا وإيطاليا وفرنسا قد بدأت تعيد النظر في مواقفها بشأن الصراع والأزمة الأوكرانية، لمصلحة إنهاء الأعمال القتالية في أقرب وقت ممكن حسب تعبير المجلة، ولكن المثير أيضا هو ما جاءت به وكالة «بلومبيرغ» الأميركية التي أردفت بعنوان أكثر وضوحاً من عنوان «نيوزويك» وهو «أن المفوضية الأوروبية تقترح تأجيل حظر النفط الروسي»، هذا العنوان الذي يصل بشكل أو بآخر إلى معنى ما قالته المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قبل أيام إن حظر الاتحاد الأوروبي النفط الروسي في إطار الحزمة السادسة من العقوبات تحت ضغط أميركي سيكون بمنزلة انتحار جماعي لدول الاتحاد.
السؤال الأبرز الذي يفسر هذه «التكويعات» السياسية كان ما طرحته صحيفة «إزفيستيا» الروسية وهو: ما الذي ينتظره الاتحاد الأوروبي من دون الكهرباء الروسية؟
الإجابة في الصحيفة نفسها كانت على لسان نائب المدير العام للمعهد الوطني للطاقة ألكسندر فرولوف، الذي أكد أن الاتحاد الأوروبي يتعامل مع روسيا منذ فترة طويلة بناءً على أسس سياسية، وليس اقتصادية واستثمارية، علما بأن دول البلطيق وفنلندا شكلا الأساس لصادرات الكهرباء الروسية، وإذا توقفت تلك الدول عن تلقي الكهرباء من موسكو، فقد تعاني نقصاً في الطاقة الكهربائية وارتفاعاً بأسعارها بنسبة 20 بالمئة بحلول منتصف حزيران القادم، مع العلم أن أسعار الكهرباء في أوروبا بلغت من دون تلك الأسباب مستويات قياسية على خلفية أزمة الطاقة.
ما نراه الآن من تسويق غربي عموماً وأميركي خصوصاً، لإيجاد طريقة لتبرير الرجوع عن المواقف السياسية الأوروبية تجاه روسيا، وإحداث مقاربة جديدة للتعاطي مع الاحتياجات الأساسية الأوروبية من موسكو، خاصة في مجال الطاقة، دليل على عجز أميركي عن تعويض مستلزمات إنتاج الطاقة الواردة من الشرق الروسي، وإقرار صريح بفشل سياسة العقوبات ضد روسيا، التي نجحت في رد الكيد الغربي الاقتصادي إلى نحر بروكسل، والدليل العملي بعيداً عن عناوين المواقع الإعلامية كان باقتراح الاتحاد الأوروبي تأجيل حظر وارداته عبر خط الأنابيب الرئيسي «دروجبا» للاستجابة إلى اعتراضات هنغاريا حسب زعم بروكسل التي تلطت خلف هذه الاعتراضات واتجهت نحو كسب مزيد من الوقت قبل الخطوة الانتحارية، وقالت إنها تحتاج إلى التفاوض بشأن حزمة متوقفة من العقوبات ضد روسيا هي السادسة، واتجهت نحو حظر النفط المنقول بحراً فقط.
روسيا نجحت وإلى حد كبير في التغلب على سلاح العقوبات الغربي وفرضت إرادتها السياسية من خلال تحقيق نصر اقتصادي تجلى بالتخفيف من أثر العقوبات غير المسبوقة، وسيتبعها حتماً نصر عسكري وتحقيق أهداف العملية العسكرية في أوكرانيا، ليكون الاقتصاد القوي اليوم هو الحصن المنيع لأي دولة في مواجهة التهديدات المعادية.