أسبوع مضى على إعلان رئيس النظام التركي رجب طيب اردوغان عزمه على شن عملية عسكرية لاحتلال مناطق جديدة في شمال سورية، وذلك في محاولة لإحياء مخطّط «المنطقة الآمنة» بعمق 30 كيلو متراً، والتي وضعت على رفوف التأجيل منذ 2016، لتشهد الأيام التي تلت ذاك الإعلان، تحشيداً عسكرياً على طول خطوط التماس، مع ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد»، إلا أن البدء بالعملية وشن العدوان على المناطق التي تحدث عنها أردوغان وهي تل رفعت ومنبج غرب الفرات وعين العرب وعين عيسى وتل تمر شرقي النهر، اصطدم برفض أميركي، وتحرك روسي ميداني عاجل لمواجهة التحركات التركية، ليتم التساؤل هل أخطأ أردوغان في حساباته وقراءة المتغيرات بشكل صحيح، وعلى ماذا كان يراهن لقيامه بإعلان ما أعلن في هذا التوقيت، أم إنه تدحرج في تصريحاته، ووصل إلى ما وصل إليه غير متعمد؟
قد يكون من الواضح، بل المؤكد أن رئيس النظام التركي، انساق وراء ما أشيع من مزاعم بأن القوات الروسية بدأت في الانسحاب من سورية، وظن مخطئا بأن انشغال العالم بشكل عام، وأميركا وروسيا بشكل خاص، بما يجري في أوكرانيا، يشكل لحظة مناسبة، للقيام بعمل عسكري في سورية، دون أي معارضة من موسكو أو واشنطن، لظنه أن الأولى ليست في وارد الالتهاء عن عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وبأن الأخيرة إن لم توافق بشكل علني «نكاية بالروسي»، فإنها لن تعارض وستغض الطرف، مراهنا في ذلك أيضاً على إمكانية تحويل رغبة الإدارة الأميركية بضم كل من السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، كورقة للمساومة، وبأن رضا أنقرة له من الأهمية، بما يدفع واشنطن للموافقة على العملية العسكرية التركية، كنوع من المقايضة لتمرير سياستها في «الناتو».
المؤكد من خلال مجريات الأحداث، أن حسابات حقل أردوغان لم تنطبق مع حساب البيدر، إذ سارعت روسيا إلى إرسال رسائل عسكرية إلى أنقرة، برفضها أي تحرك عسكري ضد الأراضي السورية، عبر تكثيف حضورها في الشمال، وإرسال تعزيزات عسكرية إلى مناطق انتشارها في ريفَي حلب والرقة، مع قيام الطيران الروسي بعمليات تحليق مكثف على طول خطوط التماس بهدف لجم أي تحرّك تركي قد يمس أو يغير بخريطة السيطرة الحالية، ذات الأمر صدر عن الإدارة الأميركية برفضها التحرك التركي تجاه الشمال السوري، واستهداف ميليشيات «قسد» الموالية لها، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، للصحفيين في الرابع والعشرين من الشهر الحالي: إن «الولايات المتحدة قلقة للغاية إزاء هذا الإعلان، ندين أي تصعيد، ونؤيد الإبقاء على خطوط وقف إطلاق النار الراهنة».
كعادته في إجادة استغلال الفرص، حاول النظام التركي استغلال ورقة اللاجئين مجدداً في تحقيق أهدافه، حين أعلن أن هدف إنشاء ما تسمى «المنطقة الآمنة» هو إعادة اللاجئين السوريين من بلاده وتسكينهم فيها، وفي ذلك مؤشر إلى محاولته كسب ود ورضا دول الاتحاد الأوروبي التي تخشى أن يقوم أردوغان بفتح أبواب بلاده مع «الأوروبي» أمام اللاجئين ما يعني أزمة جديدة وكبيرة داخل «الاتحاد»، إلا أن فكرة إعادة اللاجئين السوريين إلى تلك المنطقة ليس إلا من باب ذر الرماد في العيون، وإخفاء لحقيقة مشروع اردوغان الهادف إلى تغيير ديموغرافي في الشمال السوري، فالقضية لا تحل من طرف واحد، بل إن الحكومة السورية التي دعت اللاجئين مرارا وتكرارا للعودة، هي المعني الأول بكيفية عودتهم وإلى أين، وفي هذا الإطار نقلت «اندبندنت عربية»، عن الباحث في القانون الدولي من جامعة هارفرد الأميركية هاروت أكمانيان، قوله إن «أي اجتماع أو قرار يحدث من خلال إقصاء سورية مناف للقانون الدولي، ومناف أيضاً للمنطق، ومحكوم عليه بالفشل، لا يمكن أن نتصور إعادة اللاجئين إلى ديارهم من دون التنسيق والتشاور حول كيفية تنظيم هذه الأمور مع الدولة السورية من حيث الترتيبات اللوجيستية وتسوية أوضاع الملاحقين قضائياً أو أمنياً».
في خضم مستجدات الأوضاع في الشمال السوري، وزحمة المواقف العسكرية والسياسية هناك، تعددت التكهنات بما سينتهي عليه قرار اردوغان، حيث ذكر موقع «المونيتور» الأميركي أمس أن ميليشيات ممن يسمى «الجيش الوطني» التابع للنظام التركي اتخذت مواقع ملائمة على الأرض لاستهداف عين العرب ومنبج وتل رفعت، وسط طلعات جوية استطلاعية فوق خطوط التماس في المناطق الثلاث، إضافة إلى عبور رتل عسكري تركي يضم 56 دبابة و11 قاذفة صواريخ وعشرات الآليات التي تحمل معدات لوجستية، الحدود إلى سورية متجهاً نحو منبج، الأمر الذي يخالف توقعات الخبراء بأن يكون إطار العملية العسكرية التركية محدوداً، وبعيداً عن الريف الحلبي.