من دفتر الوطن

كيف لنا أن نثق؟!

| فراس عزيز ديب

قبل أيام، قبيل اجتماع رسمي لإحدى البلديات الفرنسية حدثت مشادة كلامية بين وزيرة سابقة من جذور مغاربية ومرشحة سابقة للرئاسة الفرنسية، هذه المشادة كادت تتطور إلى «شدّ للشعر» لولا تدخل العقلاء بين سيدتين عرفتا بالعداء لبعضهما بعضاً في السياسة وغير السياسة، ومن بين ما تسرب من جلسة الردح تلك أنّ الوزيرة السابقة طلبت منع المرشحة السابقة من حضور الجلسات بسبب افتقارها للشعبية التي أوصلتها سابقاً إلى المنصب البلدي، والنسبة المتدنية التي حصلت عليها في الانتخابات الرئاسية بالقول:

كيف لنا أن نثق بآراء من يمتلك شعبية لم تتعد 1.7 بالمئة من الأصوات!

هذه الحادثة فتحت الباب على مصراعيه ليدلي الكثير بدلوهم، بعض هذه الردود لم تخلُ من العنصرية كالقول: كيف نثق بإدارات تتحكم باجتماعاتها نسبة الهرمونات؟! البعض الآخر لم يخلُ من الذكورية كالقول: كيف نثق بإدارات تحكمها «غيرة النسوان»؟! وغيرها الكثير من الردود، لكنها جميعاً تجعلنا نركز على السؤال الجوهري: كيف لنا أن نثق؟

لعلّ هذا السؤال لا يقف على إدارة ما أو بلد ما، مساراته عابرة للحدود، فصناعة الثقة بين المواطن ومؤسساته أو ممثليه بالانتخاب هي أشبه بصناعة الزجاج قد يؤدي النفخ الزائد فيها إلى ثقبها، مع التذكير هنا أن الثقة وإن كانت بحاجة لعشرات الأحداث كي تنمو بطريقة تراكمية فإن ضياعها قد لا يحتاج أكثر من حدث أو حدثين؟!

في سورية قد لا نحتاج للكثير من التدقيق لنفهم أنّ مرشحي الرئاسة الثلاثة وحدهم من بين من خاض الاستحقاقات الانتخابية يستحق الافتخار بكل صوت حصل عليه، لأنه فعلياً ينم عن محبة واحترام لشخصه أو للعملية الديمقراطية بمعزل عن النسبة، أما الباقون فيصح بحقهم السؤال: كيف لنا أن نثق؟ تحديداً أن معظمهم لو خاض الانتخابات التشريعية وحيداً لما تجاوزت نسبة أصواته سعة سرفيس «مزة جبل- كراجات» وقت صلاة الجمعة.

بالسياق ذاته فإنّ هذا السؤال لا يبدو أنه مرتبطٌ فقط بالحالة الديمقراطية بل يتعداها إلى السلطة التنفيذية، هنا يحق للمواطن أن يطرح تساؤلات حول مفهوم الثقة بعد ما يراه من تراكم للأخطاء، قد تقدم الوزارات تبريراتها التي قد نتفق معها أو لا، هذا منطقي لكن ما ليس منطقياً أن يكون هناك من يصر على تجريد ما تبقى من ثقة بين المواطن والإدارات، إن كان عبر تقارير وإحصائيات لا تقنع حتى من كتبها أو عبر تكرار قصة إصدار قرارات في الليل وإلغائها في النهار، هنا يصبح السؤال: كيف لنا أن نثق؟ سؤالاً جوهرياً، هنا عليكم عدم لوم المواطن إن كتب ليعبّـر عن الغضب وفقدان الثقة بالمؤسسات الحكومية، لأن ردة الفعل هذه آنية وبدل السعي لمحاسبته عبر الجرائم الإلكترونية، عليكم أن تعالجوا السبب وليس النتيجة!

في الخلاصة: تقول الحكمة إن الثقة أشبه بالطيور المهاجرة، تغادر عندما يسوء الطقس، ويقول قانون الجرائم الإلكترونية إنه سيحاسب كل من يفعّل عبر الأخبار الكاذبة فقدان الثقة بين المواطن والمؤسسات الحكومية، لكن نحن هنا لم نعد أمام أخبار كاذبة.. نحن أمام حالات تدفع مرتكبيها لتعكير الطقس فترحل الثقة، عندها قبل أن تجلدوا صبر المواطن عليكم ببساطة أن تجيبوا عن سؤاله: كيف لنا أن نثق؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن