اقتصاد

ساعـة بقرب الحبيب!

| د. سعـد بساطـة

عـندما نتساءل عـن الفرق الأساسي بين المواطن العـربي والغـربي؛ تصلنا إجابات من قبيل: التنظيم؛ الانصياع للقانون؛ الدقـــة.. الخ ولكن بالنسبة لي فالأهم هـو: احترام الوقت!

نحن نبالغ بشراء الساعـات الثمينة؛ ولكننا لا نلقي بالاً لما تعـلنه عـلينا عـقاربها.

أرخص سلعـة حسب ثقافتنا هي: الزمــن. ولطالما سمعـنا عـبارات تخدش الأسماع – ولم نعـرها اهتماماً – من قبيل ((جلسنا عـلى القهوة «نقتل» ساعـتين من الوقت))!

في تعـليق اقتصادي ومقارنة بين المؤسسات؛ نتج أن أعـلاها تنافسية ليس الأكبر ولا الأغـنى؛ بل الأرشق (أي الأسرع في الامتثال بسرعـة وديناميكية لتغـيـّرات العـصر).

يؤكد الكل أن احترام مواعيد التعاقدات والتسليم هي أهم العـناصر برأسمال الشركات الناجحة وتجعل لها اسماً في السوق؛ لأن أصحاب الرساميل حينما يفكرون في المشاريع الكبيرة يهمهم في المقام الأول احترام مواعيد التسليم لأنهم مرتبطون مع مستثمرين بجدول مواعيد. وعدم الالتزام به يؤثر سلباً على استثمارات ومستقبل الشركة بجانب تعرض المقاول لغرامات التأخير المنصوص عليها في العقد.

إنّ من لا يحترم مواعيده يوصف بعدم المبالاة مستنزفاً أوقات غيره في انتظاره، وهي ظاهرة مدمرة ارتبطت بالشعوب العربية رغم أن تعاليم ديننا تحث على احترام المواعيد والمواثيق والعهود فيما نجد الغرب يقدس الموعـد ويحترم الزمن.

نأسف على الزمن المهدور من شعـوبنا بالمماطلة وعدم احترام المواعيد وضياع أوقات الفراغ في ممارسات لا مجدية، ويسرد بعـضنا مواقف اضطر فيها لإنهاء علاقة مع صديق بسبب عدم احترام المواعيد.

قد يكون عدم الإيفاء بالمواعيد والحضور في الموعـد المحدد سببه ببعض الأحيان صعوبات قاهرة في الطريق أو ظرف طارئ لكن السائد في مجتمعاتنا هو عدم احترام المواعيد غير مدركين أهمية الوقت في تطور الشعوب؛ وهذا الإهمال هو الذي يجعل عدم احترام المواعيد سمة من سماتنا وداء يصعب الاستشفاء منه! متى يصبح الالتزام بالمواعيد سلوكاً أخلاقياً بعيداً عن سياسة العقاب وهو الأمر الذي يسود في المجتمعات الغربية حيث لا توجد لديهم عقوبات للتأخير أو عدم احترام المواعيد والالتزام بها لأن الرادع الأخلاقي وحده يكفي لتجنب هذا السلوك.

قام أحد الخبـراء الاقتصاديين بوضع افتراضية كشفت عن حقائق مروعة وخسائر جمة تصيب الاقتصاد من وراء 10 دقائق تأخير فقط وذلك مفترضاً أن عدد سكان الدولة خمسة وعـشرون مليون نسمة إذا تأخر كل منهم 10 دقائق، هذا يعني تأخيراً يساوي خمسة قرون من العمل.

هاكم قصة واقعـية: من أغلى الصور على الإطلاق الصورة الجماعية لجميع موظفي شركة فورد للسيارات، كلفت الشركة تسعة ملايين دولار لالتقاطها بسبب توقف التصنيع في مصنع الشركة حيث تم جمع جميع العمال وتوقف العمل وأجور العمال لإتمام الصورة في ذلك اليوم من عام 1913. فالوقت الذي أخذوه في تصويرها كلفهم مبلغاً كبيراً لأن الأجور تدفع بالساعة وفي هذا الوقت لم يعملوا وتوقف العمل حينها.

بحث أحد الأصدقاء – كثيري الغـلبة – عن المقابل الإنجليزي لجملة عدم احترام المواعيد فلم يجدها بل وجد مفردات مثل تنظيم الوقت، وإدارة الوقت وهذا الأمر يوضح أن اللغة تؤثر في المقبول والمرفوض اجتماعياً.. وتوضح أن دورها في الحياة قد اختلف فهي مطالبة بأن توفق ما بين مهامها كربة منزل وأم وأستاذة في الجامعة بجانب دورها في الحياة العامة وكل هذا يجعل من عدم الالتزام بالمواعيد مشكلة تعقد الحياة، ويصبح من لا يلتزم بمواعيده منبوذاً وغير مرغوب في التعامل معه لأنه يجلب المشاكل لمن يعطيه موعداً.

أذكر أنني مررت بمشاعـر متناقضة.. ضحك وبكاء؛ كلما أستمع لمقطع (جاد) لزياد الرحباني؛ يعـرض بسخرية ممضــّة العـبثية من وراء تقديم الساعة شتاء ببلادنا؛ وتأخيرها صيفاً.. فنحن – حسب تعـبيره؛ جالسون لكش الحمام؛ من دون مراعـاة للوقت؛ حينما يأتي الحمام، نكشّـه!

ختاماً؛ حفظ سائح أجنبي أتى بلادنا هذه الجملة «فوت عـلينا بكرة» من كثرة ما تكررت عـلى مسامعـه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن