«القبْلية السياسية» تعني أن الخيار السياسي لا يبنى على أساس البرنامج المطروح وإنما على أساس المواقف المسبقة. هذا هو حال المزاج السياسي في أميركا وهو يعبر عن تشوه اجتماعي «ستيريو تايب».
استناداً إلى هذا يحاول كل من المرشحين للرئاسة في أميركا من كلا الحزبين تصوير نفسه على أنه المرشح الأقرب من الجميع ليس فقط من حزبه، لأنه يعلم أن برنامجه الحزبي لا يكفي.
في العام 2008 قدم مرشح الحزب الجمهوري جون ماكين نفسه على أنه بعيد عن الفكر الجمهوري المتعصب، أما المرشح الديمقراطي آنذاك باراك أوباما فقدم نفسه على أنه يمثل الجسر بين مختلف الاثنيات والأعراق الأميركية ويقلل الفوارق بين الديمقراطيين والجمهوريين.
قد يعتقد البعض أن هذا تصور جميل إلا أنه غير حقيقي، في ذلك الصيف كتب الصحفي والمؤلف بيل بيشوب كتاباً بعنوان «التصنيف الكبير: لماذا تصنيف أميركا حسب أفكارها يمزقنا؟»، كتاب وضع أرقاماً وحقائق صعبة قد يكون الأميركيون على علم بها.
يؤكد بيشوب على أن الأميركيين أصبحوا منقسمين ومصنفين على أساس الدخل الشهري والمكان الوظيفي، وعلى أساس الدين والمستوى التعليمي وطريقة الحياة والنظرة إلى العالم، وقد كان لهذا الانقسام مع الوقت عواقب على السياسة، ولعل الأرقام الموجودة عبر التاريخ تأتي لتأكيد فكرة المؤلف.
يقول بيشوب إنه في عام 1976 كان 26 بالمئة من الناخبين الذين صوتوا للمرشح الفائز سكان منطقة واحدة، أما في العام 2004، حيث وصلت نسبة الناخبين إلى 42 بالمئة، «زاد عدد الأميركيين الذين لا يرغبون العيش في أماكن يسود فيها فكر سياسي مختلف عن فكرهم وآرائهم».
ويقول في مقابلة مع صحيفة «بوليتيكو» إن «المجتمع الأميركي منقسم في الكثير من النواحي ليس فقط في السياسة، نحن نرى هذا الانقسام في السياسة لأننا نستطيع أن نقيسه. الناس يهتمون إلى أي كنيسة يذهبون وهل الكنيسة أكثر ديمقراطية أم جمهورية، ما يجعلهم يغيرون كنيستهم ليكونوا مع أمثالهم في السياسة».
إن الدراسة الموضوعية للحياة في الولايات المتحدة تظهر أن التصنيف حسب الأفكار والآراء المسبوقة «القبْلية» هو السائد، فالمجموعات ذات الفكر الواحد تشكل أساس الهوية، وهذه الهوية تؤكد طريقة الحياة اليومية المشتركة، وكل أربع سنوات تؤكد التوجه السياسي.
اعتمدت حملة جورج بوش الابن الانتخابية على هذه المجموعات التي تشترك بالفكر والهوية، إذ بحث مخططو الحملة عن الشخص القائم على الكنيسة أو المجموعة وجعلوه رئيساً لحملتهم حيث يؤثر على أصدقائه في المجموعة الاجتماعية والفكرية التي ينتمي إليها، أسلوب اتبعه أيضاً الرئيس أوباما ومن أتى بعده من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، والفرق بينهم وبين بوش أنهم استخدموا تكنولوجيا الاتصال، وخاصة فيسبوك، لجمع أكبر عدد من المناصرين. هذا كله انتقل بالسياسة من انقسام حول البرامج السياسة إلى تصنيف الهوية الفكرية والاجتماعية.
يرى علماء الاجتماع أن مهمة فيسبوك وتوتير هي خلق هوية جديدة للفرد كل يوم وهذا يمثل نوعاً من الارتباك الاجتماعي للمجتمع، وأكدت الدراسات أن السياسات التي عبر عنها الرئيس السابق دونالد ترامب مثلاً كانت مرفوضة من الديمقراطيين، لكن عندما حمل رئيس ديمقراطي السياسات نفسها أيدها الديمقراطيون، وفي الوقت الذي تواجه فيه البلاد أصعب مشكلاتها كحقوق الإنجاب وضبط امتلاك السلاح وغيرها، يصبح التغلب على التصنيف القبلي أمراً ضرورياً، فهل يستطيع المجتمع الأميركي تحقيق هذا الأمر؟ أم إن الوقت قد تأخر؟