قضايا وآراء

رسائل تركيّة بالجملة عبر الشمال السوري

| ريزان حدو

ما أن انتهى الرئيس التركي من خطابه في المجمع الرئاسي 23 أيار معلناً فيه عن نية أنقرة للبدء بعملية عسكرية جديدة داخل الأراضي السورية حتى انهمك المعنيون والمتابعون بفعل تسارع الأحداث في محاولة لتخمين الأماكن المستهدفة من العملية التركية المزعومة وتوقيتها.

ومنذ هذا الخطاب، كثّف رجب طيب أردوغان من إطلالاته وتصريحاته، في اتساق مع طبيعة شخصيته الشعبوية، إن كانت عبر خطابات جماهيرية للداخل التركي أو تصريحات إعلامية عقب استقباله لزوّاره أو خلال زياراته الخارجية كزيارته للعاصمة الأذربيجانية باكو في 28 أيار الماضي بالتزامن مع احتفالات الأذربيجانيين بيوم الاستقلال.

ومع كل إطلالة لأردوغان وحديثه عن العملية التركية في الشمال السوري بدا وكأنه يرسل رسائل بالجملة داخليّة وخارجيّة، فما أبرز تلك رسائل؟

الرسالة الأولى للداخل التركي:

مع بدء الحملات الانتخابية المبكرة للانتخابات البرلمانية المرتقبة في العام القادم أراد الرئيس التركي عبر طرحه القيام بعملية عسكرية داخل الأراضي السورية تحت عنوان عودة طوعية للاجئين السوريين المقيمين في تركيا سحب هذه الورقة من أحزاب المعارضة التي تهاجم سياسة أردوغان وتتهمها بأنها السبب الرئيس في إغراق تركيا باللاجئين ما يشكل «تهديداً كبيراً على الأمن القومي التركي».

الرسالة الثانية إلى إيران

كان لافتاً للانتباه أن إعلان الرئيس التركي عن حملة عسكرية في الشمال السوري سُبق بتصعيد عسكري في ريف حلب الشمالي والغربي عبر قيام عناصر من «حركة أحرار الشام» باستهداف باص مبيت يضم عناصر من القوات الرديفة التي تتلقى الدعم من إيران، ذلك التصعيد حمل في طيّاته رسالة إلى إيران تزامنت مع اختلافات وتجاذبات في عدة ملفات ارتقت مؤخراً لمستوى توتر مضبوط ويُستدلُّ على ذلك بالتصريحات التي أطلقها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان معبراً فيها عن استنكاره واستغرابه من قيام الحكومة التركية ببناء سدود على نهر آراس وتأثيرها في الحصة الإيرانية من مياهه، كما سُجّل اعتراض إيراني على العمليات العسكرية التركية في شمال العراق وتحديداً في منطقة سنجار الاستراتيجية، إضافة لبيان الخارجية الإيرانية الذي شددّ على رفض طهران للعملية التركية المرتقبة في الشمال السوري على الرغم من إدراكها للمخاوف الأمنية التركية مؤكداً أن الحل الوحيد لإزالة هذه المخاوف هو الحوار.

والجدير بالذكر أن التصعيد التركي جاء بعد زيارة الرئيس بشار الأسد إلى العاصمة الإيرانية طهران، وحديث قائد الثورة علي الخامنئي عن دعمه للرئيس الأسد في إطار جهوده لاستعادة السيطرة على كل الأراضي السورية المحتلة.

الرسالة الثالثة إلى روسيا:

حث موسكو على تلبية المزيد من المطالب التركية على اعتبار أن هناك فصائل معارضة في سورية تطالب باستغلال الانشغال الروسي في معركة أوكرانيا لفتح الجبهات، والتركي المتحكّم بهذه الفصائل يحذر موسكو بأنها إن تجاهلت مطالبه واعترضت على مشاريعه، فلن يمنع فصائل «الجيش الوطني» و«هيئة تحرير الشام» من فتح الجبهات إن كان في ريف إدلب الجنوبي أو ريف حلب الشمالي والشرقي والغربي أو حتى ريف اللاذقية، وخلاصة ما تود قوله إنقرة لموسكو: إمّا أن نُشغِلَ فصائل المعارضة السورية في معارك ضد السوريين الكرد أو ستجد موسكو نفسها منشغلةً بهم، وهذا في الملف السوري، ناهيك عن ضرورة تقدير موسكو لموقف أنقرة من الحرب الأوكرانية المقبول روسياً أقلّه حتى الآن وتحديداً الفيتو التركي على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو.

الرسالة الرابعة إلى أميركا والناتو وإسرائيل:

مساهمة تركيا بتوسعة حلف الناتو والتضييق على روسيا، ليس فقط من بوابة الأزمة الأوكرانية ولكن حتى المناطق البعيدة عن الحدود الروسية، ولكنها تحمل بُعداً إستراتيجياً لها كسورية، ويجب أن تكون مدفوعة الثمن.

الرسالة التركية خلاصتها في سورية: بحجر العملية العسكرية في الشمال السوري وتوطين اللاجئين، ستضرب تركيا عصفورين: الأول إضعاف روسيا وإشغالها وإحراجها، والنقطة الثانية إشغال واستنفاد القوات الرديفة المحسوبة على إيران في الشمال السوري لإبعادهم عن الجنوب السوري وهذه النقطة تحديداً هي رسالة لإسرائيل قد تكون واحدة من أهم الملفات التي طرحها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو خلال زيارته الأخيرة لتل أبيب والتي جاءت مباشرة بعيد إعلان الرئيس التركي عن نيته القيام بالعملية العسكرية التركية في الشمال السوري والتي من المفترض تم عرض تفاصيلها وأهدافها المباشرة وغير المباشرة على الجانب الإسرائيلي خلال الزيارة، في محاولة تركيّة للحصول على دعم إسرائيلي لمشاريعها على الأراضي السورية.

الرسالة الخامسة إلى دمشق:

العملية العسكرية التركية تحت عنوان محاربة السوريين الكرد وإعادة مليون لاجئ سوري إلى الأراضي السورية هدفها الحقيقي رغبة تركيّا بإنشاء سياج بشري حدودي، إضافة إلى الجدار الإسمنتي، وسيتم اختيار من سيتم توطينهم استناداً إلى معيارين: الأول الارتباط العقائدي بحزب العدالة والتنمية التركي والحديث هنا عن الإخوان المسلمين، والثاني الارتباط العرقي بالأتراك، ونحن نتحدث هنا عن قسم من التركمان السوريين المرتبطين بتركيا، وباختصار هي هندسة سكانية جديدة وتغيير واضح لديمغرافية الشمال السوري ترقى لعملية تطهير عرقي كما يجري في منطقة عفرين على سبيل المثال لا الحصر، وبالتالي تكرار لمأساة لواء إسكندرونة السليب 1939، ولِمَ لا إنشاء دولة شمال سورية في تكرار لسيناريو إنشاء دولة شمال قبرص التركية، وللمصادفة في أثناء كتابة المقال كان الرئيس التركي يستقبل في أنقرة رئيس وزراء جمهورية شمال قبرص التركية أونال أوستل.

إن المنطقة التركية الآمنة المزعومة هي فعلياً منطقة آمنة للجماعات الإرهابية التي ستكون بمنزلة رأس حربة للمرحلة الثانية من مشروع العثمانية الجديدة، عبر زجهم في معارك داخل الأراضي السورية أو كمرتزقة في ليبيا أو على تخوم روسيا وتحديداً في الدول الناطقة باللغة التركية أو العراق أو اليمن أو لبنان، فعلى الرغم من محاولة الساسة الأتراك الإيهام بالقيام باستدارة سياسية كبرى والعودة إلى سياسة صفر مشاكل، لكن المعطيات على الأرض تشير إلى أن الرئيس التركي لم ولن يرفع الراية البيضاء، ربما لإدراكه أن الإعلان الرسمي عن إخفاق مشروع العثمانية الجديدة سيكون المشهد الأخير في حياته السياسية ولربما البيولوجية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن