من دفتر الوطن

تعاونية الغاب

| حسن م. يوسف

إذا استبعدنا أبناء الحظ الذين يجدون ما يأكلونه، سنجد أن بقية البشر في هذا العالم ينقسمون إلى فئتين كبيرتين: فئة جلها يشلها الشبع، وأخرى يهدها الجوع. وبما أن الكفر هو أبشع الصفات برأي أجدادنا، فقد نعتوا الجوع بأنه كافر. إلا أن عبقري الأزمنة شارلي شابلن يرى أن انعدام الضمير هو الأشنع، لذا وصف الجوع بأنه «لا ضمير له». فيما عبر الإيرلنديون عن الجوع القاتم بمرح إذ قالوا: «البطن الفارغ حمل ثقيل».

في عدد الأسبوع الأخير من الشهر الماضي (22 إلى 27 أيار 2022) صدرت مجلة (إيكونوميست) البريطانية حاملة العنوان التالي: «كارثة الطعام القادمة». لكن المجلة لم تكتف بهذا العنوان المخيف بل أبرزت على غلافها رسماً لثلاثة سنابل، إذا دققت فيها فستجد أنها تحمل بدل حبوب القمح جماجم بشرية!

تتنبأ (إيكونوميست) في تحقيقها بأن نظام الغذاء العالمي الذي أضعفته جائحة كورونا وتغيرات المناخ وأزمة الطاقة، سيتعرض لكارثة بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، التي بدأت في 24 شباط الماضي، ما «سيؤدي لسقوط مئات الملايين من الناس بين براثن الفقر، وانتشار الاضطرابات السياسية، وإصابة الأطفال بالتقزم وموت الناس جوعاً».

تقول المجلة: إن «روسيا وأوكرانيا تنتجان 28 بالمئة من القمح المتداول عالمياً، و29 بالمئة من الشعير، و15 بالمئة من الذرة، و75 بالمئة من زيت عباد الشمس»، كما تفيد المجلة أنه ثمة «25 مليون طن من الذرة والقمح، محاصرة في أوكرانيا، وهي تعادل الاستهلاك السنوي لجميع الاقتصادات الأقل نمواً في العالم».

«وتطالب المجلة أوروبا بأن تساعد أوكرانيا على شحن حبوبها عبر السكك الحديدية والطرق، إلى الموانئ في رومانيا أو دول البلطيق»، غير أنها تشكك بجدوى هذا الحل لأن «أكثر التوقعات تفاؤلاً تشير إلى أن 20 بالمئة فقط من المحصول يمكن أن يخرج بهذه الطريقة».

وبناء على ما سبق تتوقع المجلة أن يؤدي «هذا الوضع لارتفاع عدد من يفتقرون للطعام في العالم من 440 مليوناً، إلى 1.6 مليار شخص». أي حوالي ربع البشرية.

لا شك أن تحقيق مجلة (إيكونوميست) ينطوي على بعد سياسي واضح، لكن الخطر وشيك حقاً، فقد «ارتفعت أسعار القمح بنسبة 53 بالمئة منذ بداية العام الحالي» غير أن روسيا ليست هي المسؤول الوحيد عن كارثة الغذاء المتوقعة كما يوحي تحقيق (إيكونوميست)، إذ إن الإنسان في كل مكان يبدد موارد كوكبه من دون شعور بالمسؤولية، لأن عشر ما ينتجه العالم من الحبوب يستخدم في إنتاج الوقود! كما تستهلك كمية هائلة من الحبوب في تغذية الحيوانات، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة.

لست ضليعاً في الاقتصاد ولا في التنمية، إلا أنني أرى أن (سهل الغاب)، الذي يقال إن مساحته تعادل الأرض المزروعة في هولندا، من شأنه أن ينقذ سورية من هذا الخطر القادم، ففيه يتوافر الماء والتربة الخصبة، إذا ما نقلت كل البيوت المتناثرة فيه، الى أطرافه، وأزيلت الحدود بين الملكيات الصغيرة فيه، عن طريق منح أصحابها أسهماً في (تعاونية الغاب). وإذا ما استثمرت هذه المنطقة جماعياً بأسلوب علمي، فمن شأنها أن تكون سلة غذاء، لا لسورية وحدها بل لمعظم جيرانها أيضاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن