قضايا وآراء

كذبة «إسرائيل قوة إقليمية كبرى»

| تحسين الحلبي

اعتاد الكثيرون في المنطقة وصف إسرائيل بـ«القوة الإقليمية» أو بالقوة التي تسعى كي تصبح «قوة إقليمية كبرى» لا منازع لها في المنطقة، وإذا قمنا بمقارنة إسرائيل بالتعريف العلمي الذي أكدته معظم مراكز الأبحاث الإستراتيجية سنجد أن هذا الكيان لا تنطبق عليه مكانة القوة الإقليمية الكبرى في المنطقة بل قد لا تنطبق عليه صفة القوة الإقليمية أمام القوى الإقليمية الأخرى الموجودة في المنطقة فتحت عنوان «تعريف ومفهوم القوى الإقليمية في مناطق آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية» اعتبر «معهد الدراسات الألماني عبر البحار»، التابع لجامعة سانت أندروز، في أيار 2006 أن هذا التعريف ينطبق على القوة «التي تمتلك قدرات عسكرية واقتصادية وديموغرافية وسياسية وعمقاً إستراتيجياً في مساحتها»، وإسرائيل ليس لديها سوى قوة عسكرية متطورة ولكنها ليست القوة الإقليمية الكبرى بمقاييس القدرات العسكرية الذاتية بشكل خاص، لا من حيث القوة البشرية العسكرية ولا من حيث العمق الإستراتيجي للأراضي التي تأسست فوقها، فهي تفتقر الديموغرافيا والاقتصاد ومصادر الثروات الطبيعية، وهذه عناصر أساسية في القوة الاقتصادية.

بالمقابل يوضح قائد «مركز دادو للفكر العسكري» العميد في جيش الاحتلال رداً على سؤال وجهته إليه المجلة الإلكترونية «زمان يسرائيل» العبرية الصادرة في 30 أيار الماضي، أن «إسرائيل ليس لديها عمقا استراتيجياً كبقية الدول الطامحة لتحقيق قدرات إقليمية كبرى في المنطقة، وهي أمام ما تمتلكه إيران وتركيا لا تعد قوة إقليمية كبرى سائدة في المنطقة، وهي لا تستطيع إرسال قواتها واستخدامها للضرب في أماكن بعيدة وهذا ما يعد عامل ضعف في الدفاع وفي الهجوم»، ويضاف إلى هذه العوامل عنصر عدم قدرة إسرائيل على تحمل حرب طويلة من جبهة واحدة أو من عدة جبهات.

لكن إسرائيل تعمل دوماً بوسائلها الإعلامية التضليلية وبتنسيق مع الأضاليل الغربية نفسها على ترويج نفسها «كقوة إقليمية متفوقة عسكرياً على كل دول المنطقة مجتمعة»، وهذا الزعم مجرد أكذوبة يثبتها السجل التاريخي لاستخدام القوة العسكرية الإسرائيلية منذ ما بعد عدوان حزيران 1967 حتى الآن، فقد عجزت إسرائيل التخلص من حرب استنزاف شنتها القوات المصرية على جبهة قناة السويس واستمرت منذ تموز 1967 حتى عام 1970، ولم يتوقف هذا الشكل من الحرب إلا بعد اتفاق على وقف النار، طلبت تل أبيب من الولايات المتحدة ترتيبه مع مصر باسم مبادرة روجرز الأميركية، ثم جاءت حرب تشرين عام 1973 لتزعزع كل أركان ما يسمى بالقوة المتفوقة العسكرية الإسرائيلية، وفي عام 1982 واجهت سورية والمقاومة اللبنانية والفلسطينية قوة إسرائيل حين اجتاح جيش الاحتلال لبنان وتكبد خسائر فادحة أجبرته على الانسحاب على مراحل من بيروت إلى صيدا إلى الجنوب اللبناني إلى أن أجبرته هذه القوى وحدها على الاعتراف بالهزيمة وبسحب قواته من دون أي قيد أو شرط وفي جنح الظلام في عام 2000، وتشكلت بعد هذا الانتصار جبهة حرب من شمال فلسطين قاعدتها جنوب لبنان التي تمكنت من فرض هزيمة أخرى على ما يسمى بـ«القوة الإقليمية» في عام 2006، وقبل ذلك بعام كانت قد تكبدت هذه «القوة الإقليمية» الإسرائيلية عام 2005 هزيمة على أرض فلسطين أمام مقاومة قطاع غزة التي أجبرتها على الانسحاب من دون قيد أو شرط من كل أراضي القطاع، وتخلت هذه «القوة» بهذا الشكل عن أول أرض فلسطينية منذ حرب عام 1948 ونزعت 23 مستوطنة وكل مواقع جيش الاحتلال وأصبح قطاع غزة يشكل قوة عسكرية صاروخية يهدد فيها المساحة الصغيرة للكيان الإسرائيلي، ومع انتصار سورية على الحرب الكونية التي شنت عليها منذ عام 2011 حتى عام 2020، أصبح الكيان الإسرائيلي يعترف بوجود ثلاث جبهات حرب مباشرة من الشمال والجنوب والوسط ضد ما يسمى «القوة الإقليمية»، وولدت هذه الهزائم في داخل الكيان أزمات سياسية واجتماعية زعزعت ثقة المستوطنين وجيشهم بمستقبل المشروع الصهيوني واستمرار وجودهم فيه.

بالمقابل بدأت القدرات الإيرانية تشكل قوة إقليمية كبرى في مجابهة الكيان الإسرائيلي، وتحولت سورية إلى شق طريقها بعد الانتصار على مئات الآلاف من الإرهابيين والدول الداعمة لهم نحو السير في طريق إعادة بناء ما هدمه الإرهابيون، وإعادة بناء قدراتها العسكرية على قاعدة تشكيل قوة إقليمية تمتلك كل مقاييس القوة الإقليمية الكبرى إلى جانب حلفائها في إيران ولبنان وفلسطين، وأصبح السؤال المطروح بعد كل مضاعفات الهزائم التي تكبدها جيش الاحتلال هو: هل يدرك الكيان الإسرائيلي أنه لا يشكل قوة إقليمية حتى أمام المقاومة المسلحة وحدها فما بالك حين نضيف قوتين إقليميتين لهذه المقاومة هما إيران وسورية؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن