عندما عُرّف بسمارك بأنه «موحّد ألمانيا»، رد الزعيم الألماني، بالقول: «لست أنا، بل سكك الحديد»، نفهم من ذلك أن البنية التحتية في بلد ما تمثل واحدة من أهم عوامل توحيد الدولة وتحقيق تماسكها الاجتماعي وزيادة نموها الاقتصادي، بما يساهم في تحقيق الاندماج الوطني، وهو ما تم العمل عليه في سورية خلال الخمسين سنة الفائتة، فالمدارس في كل قرية والكهرباء في كل منزل، وشبكة المواصلات والاتصالات تربط كل سوري بالآخر من أقصى البلاد إلى أقصاها.
إن الدور الذي تلعبه البنية التحتية في تحقيق الاندماج الوطني، يمثل دوراً إيجابياً في تحقيق التوحد والتماسك الاجتماعي، ينطبق على مجتمعات في طور التشكل أو في طور النهوض، إلا أنه يمكن استخدامها في اتجاه معاكس، وتطبيقه بشكل سلبي على مجتمع موحد يراد تفكيكه وتقسيمه لاقتطاع أجزاء منه، أجزاء من المجتمع أو الأرض، أو من كليهما معاً، فشكلت شبكة المواصلات والاتصالات السورية هدفاً من أهداف العدوان التركي والأميركي على سورية، وها هي جسور نهر الفرات شاهدة على ذلك.
من هنا، يمكن قراءة الأنباء التي ترد عن شمال وشمال شرق سورية مؤخراً، على أنها تطورات في إطار المخطط التقسيمي الذي تم رسمه لسورية، فقد عمل النظام التركي على احتلال أجزاء من الأراضي السوري في الشمال، واستقطب إليه شريحة مجتمعية تناسب إيديولوجيته الدينية، وحتى إن المناطق التي احتلها وتقطنها أغلبية من السوريين الأكراد، سعى لربطهم به ببنية تحتية تجعل مصالحهم الاقتصادية جزءاً من منظومته الاقتصادية التي سعى لتكريسها في الشمال السوري، فباتت المناطق التي احتلها مرتبطة به من خلال البنية التحتية من اتصالات وطرق وشبكة كهربائية وحتى نظام تعليمي.
تواصل الدولة السورية بذل جهود حثيثة في مواجهة تلك السياسات الاستعمارية، من خلال الحرص على إيصال الكتب المدرسية إلى المناطق الخارجة عن السيطرة، والاستمرار في دفع رواتب الموظفين الحكوميين واستقبال طلاب الشهادات العامة لتقديم امتحاناتهم في المناطق الآمنة، والتواصل المستمر للمسؤولين الحكوميين مع أهالي تلك المناطق، وكان آخرها زيارة الأمين المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي هلال الهلال، إلى الحسكة ودير الزور، وتقديم كل العون لمن يتمكن منهم من الوصول إلى مناطق سيطرة الدولة السورية، وحرص دمشق على حماية السوريين الأكراد من أي عدوان تركي، وفي هذا السياق جاء تأكيد موسكو على أن الحل الوحيد يكون بنشر قوات الجيش السوري على الحدود مع تركيا.
إن انتشار الجيش السوري على الحدود يسقط تكتيك النظام التركي في حديثه عما يسمى «المنطقة الآمنة» باستعماله الحرب الاستباقية التي تتذرع بـ«حماية الأمن القومي» و«حماية الحدود»، تحت غطاء الحرب على الإرهاب، وهو يسعى إلى أن يتحكم بإدارة تلك «المنطقة الآمنة» وذلك بعد إعادة اللاجئين إليها، مع بديهية ولاء قسم من هؤلاء للنظام التركي وحصول قسم منهم على الجنسية التركية، إذ يصبح الحديث المتكرر من قبل النظام التركي عن تلك المنطقة في الخطاب الرسمي والإعلامي التركي هدفه تكريس «أمر واقع» في الشمال السوري، وهو ما يفسر الحرب الإعلامية والافتراضية التي شنها منذ ما يقارب أسبوعين في حديث جديد عن «منطقة آمنة» بعمق 30 كم.
في السياق ذاته تندرج تحركات الميليشيات الكردية ذات النزعات الانفصالية التي تسعى لحماية كيانيتها من قبل الاحتلال الأميركي وحلفائه الأوروبيين، في إطار سباق بينهم وبين النظام التركي على فصل شمال وشمال شرق سورية، وفي الإطار ذاته أيضاً تندرج الأنباء الواردة من الشمال عن إعفاء الاحتلال الأميركي لبعض المناطق والبلدات والقرى في دير الزور من العقوبات الأميركية، فاسحة المجال لشركات فرنسية وأميركية وإسرائيلية، للعمل على مشاريع بالتعاون مع الانفصاليين من الكرد في تلك المناطق.
في خضم ما سبق يبدو الأميركي، لاعباً ماهراً، يستغل أطماع النظام التركي وأحلام الانفصاليين الكرد، لتحقيق أهدافه في الحدث الأوكراني، فيدعم الميليشيات الانفصالية من جهة لكن بحدود تتناسب مع أهدافه، ويساوم التركي على تنفيذ مخططاته الاستعمارية ويسمح بها تحت تبرير «تفهم مخاطره»، إلا أن مطامع الأطراف الثلاثة لا يتقدم هدفها السياسي على هدفها الاقتصادي، فالانفصاليون والنظام التركي والاحتلال الأميركي، يراهنون على ثروات هذا الجزء من الأرض السورية، وتذبذب مواقفهم لا ينفك عن مساعيهم في الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب.
أكد الجيش العربي السوري دائما وما زال يؤكد أنه الحامي لوحدة وسيادة واستقلال سورية، في وجه مشاريع التفكيك والتقسيم، وسيبقى كذلك مدعوماً بوعي السوريين وعمق انتمائهم إلى دولتهم.