عند غزو الولايات المتحدة الأميركية وقوى التحالف العراق، انهارت كل مؤسسات الدولة الرسمية، باستثناء القضاء العراقي الذي حافظ على كيان الدولة العراقية، كملجأ لجميع العراقيين، سلطات ومؤسسات وأفراداً.
منذ أشهر، وبشكل ممنهج، كان لافتاً استهداف قرارات المحكمة الاتحادية العليا من قبل شخصيات وقوى سياسية رئيسة في العملية السياسية، بدوافع شخصية لا تنتمي إلى أي قيم وطنية في محاولة لإضعاف القضاء وتقويض استقلاله.
وزير الخارجية والمالية الأسبق هوشيار زيباري، القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يرأسه مسعود البارزاني، صارت لازمة التهجم على المحكمة الاتحادية وقراراتها، هي السائدة عنده منذ أن أصدرت المحكمة حكماً «بعدم دستورية قرار قبول ترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية». فبعد قوله لقناة «بي بي سي عربي» في الـ22 من شباط 2022، إن بعض قضاة المحكمة الاتحادية «كان بعثياً ومشمولاً بالاجتثاث، لكن جرى استثناؤهم، وإن بعضهم، كان سنيّاً ثم تحول إلى المذهب الشيعي»، وإن «من نصبهم في مواقعهم الحالية إنما هي قوى ميليشياوية»! عاد ليقول في تغريدة له في الـ15 من أيار 2022، وعلى خلفية إبطال المحكمة تشريع «قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية» لعدم دستوريته: «مرة أخرى تنصّب المحكمة الاتحادية المشكوك في دستوريتها أصلاً، نفسها حاكماً على العملية السياسية والانتخابية وتتصرف وكأنها وصية ولديها صك الغفران على السلطتين التنفيذية والتشريعية على البلاد». مضيفاً: «لذا لا بد من تصحيح الوضع ومنع طغيان القضاء المسيس».
حكومة إقليم كردستان التي ينفرد بها الحزب الديمقراطي الكردستاني، رفضت تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية العراقية العليا «بتسليم كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في إقليم كردستان والمناطق الأخرى» إلى الحكومة الاتحادية، الصادر في الـ15 من شباط 2022، ولم تتوقف عن الاستهتار بالقرار ورفض تنفيذه علناً.
رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني، وفي ندوة حوارية على هامش أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في الـ24 من أيار 2022، اعتبر أن المحكمة الاتحادية «باسم مؤسسة قانونية، تُستخدم لإصدار قرارات سياسية».
كذلك اعتبر مجلس قضاء إقليم كوردستان في بيان له في الرابع من حزيران 2022، أن «المحكمة الاتحادية ليست لها صلاحيات إصدار قرار بإلغاء قانون النفط والغاز في إقليم كردستان الصادر عام 2007»، مؤكداً أن «قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كوردستان سيظل ساري المفعول»!
في الأول من حزيران الجاري، ورداً على سؤال في برنامج «المحايد» الذي تبثه فضائية «العراقية» الرسمية، قال الإعلامي سرمد الطائي الذي يتخذ من مدينة أربيل مكاناً لإقامته: إن «السيد فائق زيدان (رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي) يعلم أنه لا يستطيع اللعب بالنار إلى النهاية وأمامه محاكمة تاريخية وثقافية وفكرية، هو واهم إذا اعتقد أن النخب والشباب الذين يؤمنون بالتحول الفكري سيخافون من مذكرات الاعتقال التي يصدرها ضدهم»، مضيفاً: «رقابنا على المشانق ومهابة العراق أكبر منهم وهي الآن أكبر من فائق زيدان الذي يتلاعب في المحكمة الاتحادية ويستخدم القضاء ليمارس انقلاباً سياسياً وأمنياً على نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في الخريف الماضي»!
مؤسسات إعلامية، والعديد من الإعلاميين استنكروا في بيانات لهم إساءة الطائي لمجلس القضاء الأعلى ورئيس، كما أصدرت محكمة استئناف بغداد/الكرخ في الـ2 من حزيران 2022، مذكرة توقيف بحق سرمد الطائي، الذي تبين أن المحكمة المختصة بقضايا النشر والإعلام في حينها، أصدرت مذكرة قبض بحقه في الـ8 من كانون الثاني 2014، إلا أنه فر إلى أربيل.
القضاء العراقي سبق أن أصدر في الـ17 من أيار 2022، مذكرة استقدام بحق هوشيار زيباري، لتكرر «الإساءة إلى القضاء»، وقبلاً في الـ15 تشرين الثاني 2021، أصدر القضاء مذكرة استقدام بحق محمد جبار، مقدم برنامج «بوضوح» الذي تعرضه فضائية «زاكروس العربية» التي يملكها الحزب الديمقراطي الكردستاني، لتهجمه الدائم على القوى السياسية غير المتوافقة مع خط الحزب الديمقراطي الكردستاني.
القاسم المشترك في مهاجمي القضاء والمؤسسات العراقية، أربيل، التي هي على الدوام مقر ومحطة هروب لكل المتجاوزين على القوانين العراقية، كطارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية الأسبق، ورافع العيساوي وزير المالية الأسبق، والشيخ علي حاتم السليمان، والشخصيات التي شاركت في المؤتمر الداعي إلى التطبيع مع إسرائيل الذي عُقد في أربيل في الـ24 من أيلول 2021، وغيرهم كثر، وجميعهم صدرت بحقهم مذكرات قضائية تجاهلت حكومة آل البارزاني تنفيذها.
القضاء يجب أن يحظى بتقدير واحترام الجميع باعتباره الملاذ الحقيقي للوطن والمواطن، ومن لا يلتزم بتنفيذ الإجراءات القانونية بحق من يعتدي على مؤسسات الدولة، يُعد مجرماً يجب إحالته إلى القضاء.
وحتى تاريخه يتجاهل إقليم كردستان تنفيذ الأحكام القضائية، وتسليم المطلوبين للقضاء العراقي الاتحادي، ولا من رادع!