من دفتر الوطن

أم المعاليق!!

| عصام داري

عقدت العزم على شراء خروف، فسألت أهل العلم في الخرفان واللحوم الحمراء والبيضاء، فنصحوني بقرية «أم المعاليق» التي تبعد سفر نصف ساعة شرقاً، فتحركت من يومي وساعتي نحوها.

وصلت إلى هدفي فاستقبلي شيوخ وشباب القرية بالترحاب والقهوة المرة أكثر من مرارة الأيام، وقاموا بالواجب وأكثر، وعندما سألت عن سعر الخروف كاد الدم يتجمد في عروقي وتذكرت لحام حارتنا الذي قال لي إن سعر كيلو اللحم الضأن وصل إلى حدود الخمسين ألف ليرة!.

هنا استأذنت من سادة «أم المعاليق» وهممت بالرحيل شاكراً حسن استضافتهم، لكنهم حرصوا على أن أتناول طعام الغداء معهم، فاعتذرت بحجة أنني مشغول واعترفت لهم بعد ثانية بأنني لا أملك ثمن الخروف في جيبي.. على أساس أنني أملك الثمن في البيت!! وأنني صرت أعشق المعاليق أكثر بعد أن تعرفت على هذه البلدة الطيبة.

والمعلاق لمن يجهل اللهجة السورية هو الجهاز التنفسي للمخاليق «المخلوقات» بشراً كانوا أم حيوانات وتحتوي على الرئتين والكبد (السودة) والطحال والقلب.

المهم نادى شيخ القبيلة على شاب اسمه حمدان، وطلب منه تحضير معلاقين ووضعهما في صندوق مملوء بالثلج لضمان وصولهما إلى بيتي طازجين، وعندما أردت دفع ثمنهما غضب الشيخ وقال لي: أتريد أن تهيننا في عقر دارنا؟ ألا تعرف أننا أحفاد حاتم الطائي شخصياً؟.. احمل المعلاقين وصحتين وهنا.

في البيت بدأت أحضر للوليمة النادرة.. وبحثت عن الفحم وتوابعه.. فما كان من حرمنا المصون إلا أن سألتني باستنكار: أين ستشوي معاليقك؟ أجبتها: هنا على شرفتنا، فقالت: لا والله لن يحصل، هل تذكر عندما أقمت حفل شواء قبل عشر سنوات- تنذكر ما تنعاد- كيف كدنا نختنق من الدخان، واستمرت الروائح أكثر من أسبوع، اذهب واشوِ المعاليق في حديقة البناية.

وهكذا فعلت مجبراً.. وما كدت أبدأ بعملية الشواء حتى جاءت القطط فصرت ألقي لها قطعاً من الرئتين، لكن المصيبة أن الجيران تهافتوا على منقل الشواء وهات يا تعليقات:

صحتين أبو علاء…. اللي بياكل لحاه بيزور… اللهم هنيهم.. اللـه يبارك.. منين لوين تجيب معاليق وأنت منتوف تشكي القلة والدلة..

المهم صرت أوزع على الجيران الواحد بعد الآخر في النهاية تركت المنقل والمعاليق والشواء وقلت لهم تفضلوا كملوا.. وعندما تنهون أرجوكم أن توصلوا المنقل إلى بيتي..، وصحة وهنا.

لا تسألوني ماذا كان غدائي في ذلك اليوم، فأنا أخجل أن أقول لكم.. ونقطة أول السطر.

ويا سادة يا كرام أعترف لكم أنني لم أذهب إلى بلدة «أم المعاليق» التي لا وجود لها أصلاً، ولا أنوي شراء خروف، فأنا لا أستطيع شراء معلاق واحد، وكل القصة فبركة من بنات أفكاري، ولا أدري ماذا يفعل صبيان أفكاري، فقد أحببت أن أفبرك رواية قد تكون تافهة، لكنني لم أسبب أي أذى لمخلوق في العالم، ولأبين أن هناك فبركات دولية تسبب الأذى والخراب والدمار للشعوب كفبركات شهود العيان إذا كنتم تتذكرونهم، وهناك من يؤذي الناس بفبركات وأخبار كاذبة بغرض الحصول على إعجابات أو لايكات، كأن يسمع هذا الفنان أو تلك الفنانة أنه أو أنها انتقلا إلى رحمة اللـه وهما على قيد الحياة.

الكذب مؤذٍ حتى في الأول من نيسان.. لكن ذلك لا يمنعني من القول: إنني الآن أشتهي معلاقاً صالحاً للشواء!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن