اقتصاد

أرقام المكتب المركزي للإحصاء خفضت البطالة رغم أنف كورونا … كيف انخفض معدل البطالة في العام الذي جمع كل مقومات التدهور الاقتصادي؟!

| مادلين جليس

تقف مشكلة البطالة كإحدى أكبر المشكلات التي يعاني منها السوريون وخاصة في السنوات الأخيرة، التي اقترنت بعدة عوامل محلية ودولية أدت لإيقاف الأنشطة الاقتصادية كلياً أو جزئياً، وكانت جائحة كورونا «كوفيد 19» أبرز هذه العوامل.

وعلى الرغم من انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بما يقارب 4 بالمئة (-3.87 بالمئة) إلا أن بيانات قوة العمل الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء أظهرت تراجع نسبة البطالة من 31.2 بالمئة في عام 2019 إلى 20.9 بالمئة في عام 2020، الأمر الذي أثار تساؤلات عديدة لدى الباحثين والخبراء الاقتصاديين حول سبب هذا الانخفاض «غير واضح الأسباب».

انخفاض وهمي

ترى الباحثة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب أن انخفاض معدل البطالة من 31.2 بالمئة في العام 2019 إلى 20.9 بالمئة في العام 2020 يجعلنا نتساءل، كيف انخفضت معدلات البطالة بهذا المقدار الكبير، علماً أن جميع مقومات تدهور النشاط الاقتصادي كانت في العام 2020، حيث فرضت الحكومة حظراً كلياً لمدة ثلاثة أشهر في العام المذكور، ثم حظراً جزئياً بسبب انتشار جائحة كوفيد-19، وأيضاً في ذات العام دخل قانون قيصر حيّز التنفيذ.

وكلاهما حسب سيروب يشكّلان حالة من عدم اليقين التي تقوّض أي نشاط استثماري محتمل، أي لا يمكن القول إنه تم تنفيذ استثمارات جديدة قادرة على امتصاص هذا المقدار الكبير من فائض البطالة، لذا فإن هذا الانخفاض في معدل البطالة وهمي، ولو كان حقيقياً لكنا لحظنا أثر ذلك في زيادة الناتج المحلي الإجمالي، بل على العكس، فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي بالقيم الحقيقية بما يقارب 4 بالمئة مقارنة مع العام السابق.

وتضيف سيروب: من ناحية أخرى، حاولنا تبرير هذا الانخفاض الكبير في معدل البطالة نتيجة انخفاض قوة العمل التي قد تنتج عن الهجرة أو العزوف عن البحث عن فرص عمل «بطالة اختيارية»، لكن البيانات أظهرت أن قوة العمل ازدادت بـ330 ألف شخص، والمفارقة الأكبر أن قوة العمل لدى الذكور ازدادت بـ 740 ألف شخص.

المسألة نسبية

مع أي أعوام تتم هذه المقارنة؟ يتساءل الدكتور عابد فضلية رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية، الذي يرى أن المسألة نسبية.

ويرى فضلية أنه عندما نقارن أعوام 2019 وعام 2020 مع أعوام 2013 أو 2014 فيمكن القول إن النسبة تراجعت فعلاً عن فترة ذروة الحرب، لكن في الحقيقة والواقع أن على الجهة التي أصدرت نسبة البطالة أن تذكر هذه النسب بالمقارنة مع أي عام.

ويضيف فضلية: ما يهمني ليس أعوام 2019 و2020 بل أعوام بعدها أي 2022، فالجميع يعرف أن الاقتصاد السوري انكمش وتراجع وهذا ما وجدناه في إغلاق الكثير من الفعاليات التجارية، وهناك مستثمرون وتجار أوقفوا أعمالهم وجلسوا في منازلهم، لأن الاقتصاد تقلّص لكثير من الأسباب الموضوعية المبرّرة كالحرب والعقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، وجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.

أزمة مختلقة في لبنان

لكن هناك أسباباً أخرى يعددها رئيس هيئة الأوراق المالية منها السياسة الحكومية التشغيلية وهي حبس السيولة ومسك رأس المال لأهداف نقدية الذي مازال مستمراً حتى الآن، وزاد عليه الظروف العالمية والإقليمية والمحلية.

ومع ذلك فهناك أسباب في السياسة الداخلية هي الأهم برأي فضلية، منها تقليص القروض وملاحقة المال بحيث يقعد في المصرف أو في الأدراج من دون الاستفادة منه وهذا «والكلام لفضلية» إضافة إلى الأسباب الموضوعية المذكورة سابقاً، ونستطيع أن نعد منها الأزمة «المختلقة» في لبنان كي تضغط على روح الاقتصاد السوري ولها هدفان الأول جانب لبناني والثاني جانب سوري كالضغط على روسيا وإيران، كل ذلك أدى إلى تضرر سورية بشكل مباشر وغير مباشر.

بطالة من كل الأنواع

في السابق كانت الآراء الاقتصادية تتضارب حول وجود بطالة نوعية أو مطلقة في سورية، أما الآن حسب ما يؤكد الدكتور عابد فضلية فيمكننا القول إنه لدينا نوعان من البطالة، النوعية والمطلقة، لكن بالمقابل هناك فرص عمل نوعية، فلدينا أعمال لكن لاختصاصات معينة.

ويؤكد فضلية أنه لا أحد يمكنه حساب نسبة محددة للبطالة، لا للباحثين ولا الخبراء، ولا حتى المكتب المركزي للإحصاء، لأن هذه النسب تحتاج إلى مسح في كل سورية، لكن ما يمكننا تأكيده هو أن البطالة ظاهرة موجودة في سورية وبنسبة كبيرة، بنوعيها المطلقة والنوعية.

بطل العجب

لكن كما تقول الدكتورة سيروب: إن عرف السبب بطل العجب، حيث ترى أنه بالعودة إلى القرارات الحكومية الصادرة في العام 2020 يمكن تفسير هذا الانخفاض «غير المبرر اقتصادياً»، ففي هذا العام صدر القانون رقم 8 الخاص بإحداث غرفة تجارة وغرف التجارة والصناعة المشتركة الذي حددت الحد الأدنى لعدد العمال المسجلين في التأمينات الاجتماعية لكل من حصل على سجل تجاري ويزاول أي نشاط اقتصادي وتراوح العدد بين (عامل واحد للدرجة الرابعة و6 عمال للدرجة الممتازة)، حيث لجأ أصحاب السجلات التجارية -أمام إلزامية التطبيق- إلى تسجيل أفراد من عائلاتهم وأصدقاء مقربين كعاملين لديهم فازداد عدد العاملين بأجر في القطاع الخاص بـ353122 عاملاً في العام 2020. مع أنهم ليسوا عاملين، وهذا ما يؤكد لنا أن هذا الانخفاض في معدلات البطالة ليس أكثر من انخفاض على الورق.

دعه يعمل.. دعه يمر!

وحول سؤالنا إن كنا الوضع الاقتصادي بحاجة لوجود هيئة كما كانت في السابق هيئة مكافحة البطالة لتساهم في تخفيض معدلات البطالة التي تزداد يومياً في سورية، تتساءل الدكتورة سيروب: لماذا دائماً ما تدور الطروحات في فُلك إحداث مؤسسات وهيئات لعلاج المشكلات الاقتصادية؟

وترى سيروب أن توليد فرص العمل وتخفيض معدلات البطالة يحتاجان إلى سياسات اقتصادية مدروسة وإجراءات حقيقية على أرض الواقع تسهل القيام بالنشاطات الاقتصادية المختلفة، وقادرة على خلق الحافز لدى جيل الشباب في خلق فرص العمل الخاصة بهم بعيداً عن ذهنية الوظيفة، مؤكدة أننا اليوم بأمس الحاجة لتطبيق الشعار الاقتصادي «دعه يعمل.. دعه يمر» من خلال تذليل جميع العقبات أمام كل من لديه القدرة في الاستثمار وتعبيد الطريق أمام كل من لديه الرغبة في العمل وكسر حلقة «احتكار الأنشطة الاقتصادية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن