لا يمكن أن تقرأ التهديدات التركية بإنشاء مناطق آمنة شمال سورية إلا في توقيتها المرسوم من فم رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، صاحب العمليات العدوانية المتعددة الأسماء ضد الشعب السوري، خاصة أن العالم في مرحلة تحول سريع نحو آخر متعدد الأقطاب، علّه يحرك حالة السكون التي تحاول واشنطن فرضها في المناطق التي تحتلها شمال شرق سورية ويقضم بطمعه وتعطشه للدمار والخراب والدماء أجزاء سورية لن تصبح يوماً آمنة، لا للمحتل التركي ولا الأميركي.
إزعاج واشنطن الآن مطلب تكتيكي تركي كورقة رابحة إضافية، بإمكان أنقرة افتراضياً استخدامها حتى في النزاع الذي نشأ حول انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو، ولكن أين روسيا من تلك العملية، التي تعد انتهاكاً مباشراً للاتفاقيات بين موسكو وأنقرة، وتتناقض مع تفاهمات ومخرجات مسار أستانا، وتنسف كل التفاهمات السابقة برعاية دولية، خاصة أن أردوغان شدد على أن تركيا «لا» تنوي الحصول على إذن من أحد للقيام بالعملية العسكرية؟
بين موسكو وواشنطن يحاول الذئب التركي استغلال الصراع، وتحصيل أطماعه الإقليمية والدولية، من خلال مساومة سياسية يمكن وصفها بالوضيعة والمهترئة لفتح باب الحوار، واختبار ردود الأفعال لدى القوى الكبرى، لذلك كان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالين، يجري مفاوضات مع وفدي السويد وفنلندا حول مسألة انضمامهما للناتو، ومناقشاً مساعيهما هذه في محادثة هاتفية مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، التي أعلنت وسائل إعلام تركية أنها تطرقت إلى الحديث عن سورية أيضاً.
تركيا التي أعدَّت لعدوانها الجديد على سورية عُـدَّتها، تريد افتراضياً احتلال منطقة عين العرب، لتستطيع توحيد المناطق التي سيطرت عليها خلال اعتداءاتها السابقة تحت مسميات عدة في الشمال، «درع الفرات» و«نبع السلام»، وبالتالي تحسين موقعها التفاوضي أمام الأميركي، الذي يمثل الأوروبي بشكل من الأشكال من جهة، والروسي من جهة أخرى في حال استطاع تنفيذ تهديداته.
إرهاصات الداخل التركي وصراع السلطة الذي يحتدم مع اقتراب الانتخابات الرئاسية عام 2023، يطغيان على طموح أردوغان، ويدفعانه كما يقول سياسيون إلى تصدير أزماته السياسية إلى الخارج، خاصة أن رئيسي بلديتي أنقرة وإسطنبول المعارضين، هما على قائمة المرشحين الأقوياء، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، فالبطالة بين الشباب تصل إلى 40 بالمئة، ما سيؤدي ويدفع هذه الشريحة من السكان للتصويت ضد أردوغان، الذي لن يكون على الأرجح قادراً على إنقاذ قطاع السياحة من الخسائر الكبيرة هذا الصيف، وسوف يؤدي ذلك إلى تعذر تجنّب الجولة الثانية من الانتخابات، التي سيعاني الرئيس التركي الحالي صعوبة كبيرة بالفوز فيها ما ينبئ بانهيار مدو وعميق لرئيس النظام التركي، فهل تسرع الأعمال العدوانية في الشمال السوري برحيله أم إن لأدواره بقية؟