قضايا وآراء

مواجهة روسية للنفاق الأميركي والخداع التركي

| رزوق الغاوي

ما إن طرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مبادرته الإستراتيجية الشهيرة والخاصة بتشكيل منظومة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والشروع بصورة عملية بتنفيذ الخطوات اللازمة لقيام هذه المنظومة، حتى سارعت الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها الأطلسية تركيا، للتصدي لتلك المبادرة التي اعتبرتها واشنطن ومعها أنقرة، مقدمة للجم التطلعات التوسعية الأميركية في بلدان غرب آسيا، وإسقاط الأوهام السلطانية العثمانية بالعودة إلى زمن الطغيان والتسلط.

من دون شك، فإن مخزون بحر قزوين من النفط والغاز، وسبل استثماره أميركياً وتسويقه تركياً، قد أسال اللعاب الأميركي والتركي، وأفضى إلى شروعهما بوضع الخطط المشبوهة وممارسة السياسات التآمرية، بغية عرقلة نشاطات المنظومة الأوراسية التي تعني بما تعنيه، ليس فقط التعاون الإستراتيجي الروسي الصيني المتنامي والمتصاعد، بل التعاون الآسيوي الأوروبي المنشود، انطلاقاً من الشرق الآسيوي المطل على المحيط الهادي، وامتداداً إلى القارة الأوروبية المطلة على المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط.

أبعاد ورؤى المنظومة الأوراسية تلك، أثارت حفيظة وحنق وقلق الإدارتين الأميركية والتركية، ما أدى بالتالي لذهابهما باتجاه الكشف صراحة عن ممارسة نفاقهما السياسي ونياتهما العدوانية من خلال تعزيز وجودهما العسكري في منطقة القوقاز وبعض المناطق المتشاطئة مع بحر قزوين وزجها في أتون حرب باردة وفي حالة من التوتر وعدم الاستقرار وانعدام الأمن، مع الأخذ بالحسبان أن السّياسة الأميركيّة تجاه بحر قزوين تعود إلى ما قبل نحو عشرين عاماً مضت، حيث قامت شركات نفط أميركيّة بتوقيع عقود ضخمة مع بعض دول القوقاز، تلك الشّركات التي تشكل المحرّك الأساسي للسّياسات الأميركيّة الخاصة بإستراتيجية واشنطن تجاه منطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين ومبرر وجود قواتها العسكرية في تلك المناطق بذريعة حماية استثماراتها النفطية والغازية فيها، إلى جانب توظيف وجودها العسكري في إطار الدرع الصاروخية الأميركية والأطلسية حول روسيا، التي تشارك تركيا فيها بصورة فعلية.

يٌضاف إلى ذلك شروع أنقرة بدعم أميركي غير مباشر في نشر أيديولوجيتها العثمانية الرجعية في بلدان القوقاز عبر وضع برامج ومناهج تربوية وثقافية متخلفة تؤدي إلى تشدد وتطرف شعوبها وتشديد عصبها الرجعي وتصعيد عدوانيتها، وخاصة في منطقة ناغورنو كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان، على سبيل المثال، وتالياً خلق المؤهبات التي من شأنها أن تؤدي إلى صراعات ليست في مصالح شعوبها كافة، بل تصب في خدمة المصالح «الامبريالية الأميركية والعثمانية التركية» على حد سواء.

وتبدو ضرورية الإشارة هنا إلى أن السياسة التركية تجاه منطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين تستند إلى روابط تاريخية وعرقية ودينية تستغلها لتحقيق مصالح اقتصادية، وتجعل تلك المنطقة ضمن دائرة نفوذها بدعم أميركي يضمن لأنقرة احتياجاتها الاقتصادية من النفط والغاز.

في ضوء هذا الواقع الشديد الحساسية، يبرز الموقف الروسي المتشدد من سياسة واشنطن وحليفتها الأطلسية تركيا والتدخل العسكري الأميركي في منطقة القوقاز، الذي يشكل تهديداً صريحاً ليس فقط للمصالح الاقتصادية الروسية فيها بشكل عام، بل تهديد مباشر للأمن القومي الروسي وهي أمور لا يمكن للقيادة الروسية أن تسكت أو تتغاضى عنها أو تتجاهلها أو تمر عليها مرور الكرام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن