قضايا وآراء

بعد 55 عاماً على عدوان حزيران

| تحسين الحلبي

يثبت السجل التاريخي المعاصر في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين أن الكفاح العربي ضد الاحتلال الصهيوني واغتصاب فلسطين لا يمكن لأي كان إيقاف مسيرته التي حمل لواءها الشعب الفلسطيني واصطفت إلى جانبه في ذلك الوقت سورية ومصر عبد الناصر منذ عام 1965 وانطلاق الكفاح المسلح الفلسطيني من سورية نفسها وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية.

ويبدو أن القادة والمفكرين في الحركة الصهيونية وجامعات تل أبيب بدؤوا يدركون بعد مرور خمس وخمسين سنة على عدوان حزيران عام 1967 ضرورة إجراء مراجعة نقدية لما أطلقوا عليه «انتصارا» بعد ذلك العدوان واحتلالهم لبقية أراضي فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي الجولان العربي السوري وسيناء المصرية.

جيرالد شتاينبرغ المفكر الإسرائيلي والأستاذ في جامعة بارايلان، اعترف أن «حرب حزيران عام 1967 لم تستطع القيادة الإسرائيلية توظيفها لرسم حدود الدولة ولم تتمكن من ملء الفراغ فيها رغم كل سياسات الاستيطان والسيطرة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل خاص»، ويرى في مجمل تحليله أن حرب حزيران وضعت إسرائيل الآن وبعد كل ما جرى بعد أكثر من خمسين عاماً على مرورها في أسوأ وضع «وأمام أمر واقع من الصعب جداً إيقاف تحولاته التي تلحق الضرر بإسرائيل ومشروعها الصهيوني».

وبرغم أنه لا يستعرض بالتفصيل الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع السيئ إلا أن هذه الحقيقة يثبتها السجل التاريخي نفسه لهذه العقود الخمسة التي شهدت قوات الاحتلال فيها بعد شهر مما أطلقت عليه «انتصاراً»، حرباً ومقاومة مسلحة من عام 1967 نفسه حتى عام 1970 على ثلاث جبهات، واحدة من جبهة قناة السويس في سيناء والثانية من جبهة الجولان المحتل وجنوب لبنان معاً، والثالثة من جبهة فصائل المقاومة الفلسطينية على طول ضفة نهر الأردن الشرقية ومن داخل الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

في عام 1973 توجت جبهتا مصر وسورية مقاومتهما بحرب تشرين، وبعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 وخروج مصر من ميدان الصراع، لم تتوقف جبهة الجولان وجنوب لبنان وجبهة الضفة الغربية وقطاع غزة عن الاستمرار بالمقاومة التي توجت بتحرير جنوب لبنان عام 2000 باشتراك الجيش العربي السوري وفصائل المقاومة الفلسطينية مع القوى الوطنية والإسلامية اللبنانية، ودشن قطاع غزة جبهة جنوبية بعد تحريره من الاحتلال عام 2005 فأصبحت جبهات الحرب والمقاومة ضد قوات الاحتلال من الشمال والجنوب والوسط، وانضمت إلى هذا المحور الجمهورية الإسلامية الإيرانية بكل قدراتها كجبهة إقليمية إلى جانب سورية وفصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية.

هذه النتائج بدأ المفكرون الإسرائيليون وقادتهم يضعونها أمام جدول عملهم ويعترفون أن وضع الكيان الإسرائيلي قبل حرب حزيران عام 1967 كان أفضل من نواح كثيرة بالمقارنة مع الوضع الراهن الذي يجدون أنفسهم فيه أمام محور يمتد في التصدي لهم من طهران مروراً بفصائل المقاومة في العراق إلى سورية وجنوب لبنان وكل فلسطين المحتلة وخاصة في جنوبها المحرر في قطاع غزة، وبهذا الشكل تمكنت هذه القوى وجبهاتها المتصدية للاحتلال من فرض جدول عملها على المنطقة، ولذلك يقول شتاينبيرغ إن «استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه سيعرض إسرائيل إلى تدهور وفوضى غير مسبوقين».

ليس من المبالغة الاستنتاج بأن الكيان الإسرائيلي بعد 55 سنة على حرب حزيران لم يستطع حتى الآن من ضمان أمنه الداخلي الذي يجابهه فيه سبعة ملايين فلسطيني بكل أشكال مقاومتهم، ولذلك يحذر شتاينبيرغ من خطرهم، كما لم يستطع الكيان ضمان الأمن عبر حدوده في الشمال حيث تزداد قوة جبهة جنوب لبنان وحدود الجولان، ولا من الجنوب عند قطاع غزة الذي أعد جبهة في جنوب فلسطين بقدرات صاروخية ومقاومة لا تفصلها عن مستوطناته عدة كيلو مترات فقط، وهذه القوى هي التي هزمت عدوان حزيران عام 1967 وأهدافه ونتائجه طوال العقود الطويلة من صمودها ومقاومتها التي تتوجت بانتصارات من جبهة جنوب لبنان ومن جبهة سورية قاعدة المقاومة التاريخية المستمرة ومن جبهة قطاع غزة والضفة الغربية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن