ثقافة وفن

«الدوبلاج»… من أصعب وأهم أنواع الفنون … مأمون الرفاعي لـ«الوطن»: فن الدوبلاج متعة كبيرة جداً ولا يستطيع أي ممثل أداءه

| مايا سلامي

يعتبر فن الدوبلاج واحداً من أهم الفنون التي حققت رواجاً وشهرة واسعة في كل أنحاء العالم كما أسهمت في كسر الحدود الزمانية والمكانية وكان لها دور كبير في إثراء ثقافات الشعوب عندما تصنع بضوابطها الأخلاقية والمهنية حيث يتم فيها استبدال لغة وأصوات الممثلين الأصليين بممثلين آخرين يؤدون أصواتهم وانفعالاتهم بلغة البلد الذي سيعرض فيه مع مراعاة اختلاف المبادئ والعادات، وهو من الفنون الصعبة التي تحتاج إلى طاقة وجهد كبيرين وإحساس صادق ليقدم الحالة النفسية الصحيحة التي تعيشها الشخصية.

مصطلح الدوبلاج في الأساس ليس عربياً وإنما مأخوذ عن الفرنسية «doublage» وترجع أصوله إلى أواخر العشرينيات وتحديداً في عام 1928 وذلك مع بدايات السينما الناطقة حيث جرت أول عملية دوبلاج وجاءت هذه الفكرة كبديل عن ترجمة النص في أسفل الشاشة وقد لاقت إقبالاً واستحساناً كبيرين حتى خرجت فيما بعد عن دائرة السينما إلى أفلام الكرتون والدراما.

في العالم العربي كانت أفلام الكرتون في البداية هي الأكثر ترويجاً لفن الدوبلاج فمعظم أعمال الرسوم المتحركة التي حققت شهرة واسعة وترسخت بذاكرة الأجيال لم تنتج عربياً أو محلياً وكانت مدبلجة عن لغات وثقافات أخرى اشترك في أدائها كبار الفنانين الأمر الذي ساهم بنجاحها بشكل أكبر حتى تطورت ووصلت إلى دبلجة الأعمال الدرامية إلى اللغة العربية وكان أشهرها مؤخراً الأعمال التركية التي جذبت المشاهدين لسنوات طويلة وقدمت بأصوات أشهر ممثلي وفناني سورية التي لها تاريخ حافل بالإبداع في هذا المجال.

والفنان مأمون الرفاعي كان ومازال واحداً من أهم رائدي هذا المجال الذي حفر بصوته وعمق إحساسه بصمة لا يمحوها الزمن وأدى الكثير من الشخصيات الكرتونية والدرامية التي مازالت عالقة وراسخة في الذاكرة حتى لقب بـ«العم فيتالس» وهي الشخصية التي أداها في المسلسل الكرتوني الشهير «ريمي».

وفي الحوار الآتي خضنا أكثر بتفاصيل هذا الفن الواسع وأهم أدواته ومميزاته واستوضحنا الكثير من الأفكار المغلوطة حوله:

• بداية حدثنا عن فن الدوبلاج بصورة عامة؟

الدوبلاج هو استبدال اللغة في المادة المرئية دون أن يضيع الإحساس أو الهدف وراء الفكرة التي يقدمها العمل الأساسي وبما أنه يتم استبداله من لغات أخرى أي ثقافات أخرى فهنا يجب أن يتلاءم مع عاداتنا ولغتنا ومبادئنا الأخلاقية والفكرية من خلال تعديل وحذف المحتوى غير المناسب، ويعتبر فن الدوبلاج متعة كبيرة جداً ولا يستطيع أي ممثل أداءه فهو من أصعب فنون التمثيل.

• ما المراحل التي تمر فيها عملية الدوبلاج؟ وما أصعبها؟

تمر عملية الدوبلاج بعدة مراحل وأولاها الترجمة ثم مرحلة المونتاج التي يتم خلالها اقتطاع بعض الصور والأجزاء التي لا تتناسب مع مجتمعنا حتى لا نشوه فكر الطفل أو نتعدى على أخلاقيات المشاهدين، تليها مرحلة الإعداد حيث يعطى النص المترجم إلى المعد ليصيغه بأسلوب سلس ومناسب للفئة العمرية التي سيعرض لها، ومن بعد الإعداد يدخل النص في مرحلة الدوبلاج التي تتم في الاستديو بالتعاون مابين المخرج والممثل لأداء الشخصيات لتأتي من بعد ذلك مرحلة المكساج وهنا نزيل تماماً لغة العمل الأصلية لتحل مكانها اللغة التي تمت الدبلجة فيها كما تضاف المؤثرات الصوتية ومن بعد المكساج يصبح العمل جاهزاً للعرض.

أما أصعب المراحل فهي الإخراج فهي عملية خلق من جديد لهذا العمل بأسلوب آخر مختلف عن الذي قدمه مخرج النسخة الأجنبية والمخرج يعيد تأسيس البناء الدرامي الخاص بالعمل المدبلج وفي الوقت نفسه هو الموجه لجميع الممثلين وهو الذي يراقب كل كلمة تقال في العمل أو الحلقة لذلك مهمة المخرج من المهمات الصعبة لأنه يعمل على أكثر من جانب ويشرف على كل المراحل بدءاً من الإعداد.

• هل يمكن الفصل بين فن الدوبلاج والتمثيل؟

في الواقع لا يمكن الفصل بينهما لأن الدوبلاج بحد ذاته عملية تمثيلية فلا يمكن القول أنا مدبلج بل الصحيح أن أقول أنا ممثل في الدوبلاج وهذه فكرة مهمة جداً بأن جميع هذه الفنون متصلة ببعضها البعض فالممثل الذي يعمل في المسرح يعمل في التلفزيون والإذاعة والسينما والشيء نفسه هنا في الدوبلاج بالإضافة إلى أنه من أصعب أعمال التمثيل لأنه يحتاج إلى عملية تركيز كبيرة ومن الضروري أن يكون الممثل متميز جداً حتى يكون قادراً على ممارسته بشكل صحيح.

• امتلاك خامة الصوت الجيدة هل يعتبر مؤهلاً كافياً لخوض هذا المجال؟

خامة الصوت الجيدة لا تعوّل على أن يكون الإنسان موهوباً وهناك بعض الأصوات التي قد لاتكون جميلة ولكن يمكن استخدامها بمكانها الصحيح فكل صوت يمكن الاستفادة منه بحسب حالة الشخصية التي ستؤدى، والأهم من امتلاك خامة الصوت الجميلة هو أن يمتلك الممثل الإحساس الجيد الذي يجب أن يصل إلى المتلقي وليس الصوت الجميل فالممثل الذي يعمل بفن الدوبلاج يعمل بالإحساس وليس باستعراض الصوت.

• ما أبرز الأدوات التي يجب أن يمتلكها فنان الدوبلاج؟

الأدوات التي يجب أن يمتلكها فنان الدوبلاج هي نفسها أدوات الممثل فيجب أن يعرف تماماً كيف يكون صادقاً كي يكون قادراً على الإقناع بالإضافة إلى القدرة على الاسترخاء والتركيز والتخيل وأن يكون على دراية كاملة ومعرفة تامة بما يتوجب عليه تقديمه وعمله كممثل فدون هذه المعرفة سيصعب الأمر عليه أكثر ومن الممكن في البداية أن يمتلك الموهبة فقط ومن بعدها يكتسب هذه المزايا فيصبح أداؤه أفضل ويتجه إلى أداء الحس بشكل أكبر.

• على أي أساس يتم اختيار الممثلين لأداء شخصيات وأدوار معينة؟

بصفتي مخرج في هذه العملية عندما اختار الممثلين لأداء الشخصيات أنظر إلى الممثل الذي يمكنه أن يقدم الحالة الحسية الخاصة بالشخصية أكثر من غيره وأن يوصل هذا الإحساس للمشاهدين بصورة صحيحة فهناك بعض الممثلين يعطون إحساس الحب أكثر من غيرهم أو الغضب أو الخوف أي جميع الحالات الإنسانية التي على أساسها يتم اختيار الممثل المناسب لشخصياتها.

• ما أهم وأبرز التطورات التي طرأت على هذا المجال؟

في السابق كان عمل الدوبلاج أفضل من الآن بسبب العمل الجماعي الذي يعطي قوة لفن الممثل فعندما يعمل في المسرح لا يستطيع كل ممثل أن يكون وحده فهو فن وعمل جماعي وليس بفن إفرادي، كذلك هو الحال في الدوبلاج فعندما كنا نعمل جماعياً كان التفاعل الحسي موجوداً في اللحظة ذاتها والكل يحاور بعضه في الوقت نفسه في حين الآن بات العبء أكبر على المخرج بأن يراقب كل شخصية على حدة وأن يعطيها الملاحظات ليوجهها في حال انحرفت عن مسارها الصحيح وهذا تطور خطير وسيء على فن الدوبلاج ويخلق نوعاً من الاستهتار من جانب الممثلين لأنه لم يعد هناك تواصل وتفاعل بين الشخصيات بشكل مباشر.

• خلال عملك في التدريب ما أكثر الأفكار المغلوطة التي لاحظتها عند المتدربين الجدد حول هذا المجال؟

أكثر الأخطاء التي يحملها المتدرب أو القادم للعمل في هذا الفن هو أنه يقدم نفسه كـ«فويس أوفر» وهذا كلام خاطئ مئة بالمئة فأنت هنا ليس لتقدم الصوت بل لتقدم الدراما التي تحتوي على الإحساس وبالتالي الصوت غير مهم فعليك أن تقدم إحساسك، واستخدام مصطلح الـ«فويس أوفر» في هذا الفن من الأساس خاطئ فلو ترجمت بحرفيتها إلى اللغة العربية ستكون «صوت فوق صوت» أو «صوت خلفية لصوت» وهذا لا علاقة له بالممثل ويمكن اعتباره راوياً لأعمال وثائقية فالشاعر أو المغني لا يقال عنهما فويس أوفر وكذلك الممثل وهذا هو الخطأ القاتل والمتداول بين جميع القادمين الجدد إلى هذا المجال.

• من الملاحظ أن هذا المجال يحظى باهتمام وإقبال كبيرين في السنوات الأخيرة ما السبب في ذلك من وجهة نظرك؟

الاهتمام جاء نتيجة إعجابهم بالأعمال التي شاهدوها وأحبوها وترسخت في أذهانهم لسنوات طويلة وليس من الغلط أن يحب الفرد هذا المجال وأن يسعى ليكون ممثلاً جيداً فهذا شيء جميل جداً ولكن عليه أن يبني على أساس ما شاهده وأن يطور نفسه ليستمر بهذا الجمال ويقدم أفضل مالديه.

• أيهما أصعب ويحمل الفنان مسؤولية أكبر دبلجة الأعمال الدرامية أم أفلام الكرتون؟

سواء في الدراما أم الكرتون لا يختلفان عن بعضهما البعض فالدراما تمثيل والكرتون كذلك وكلاهما يحتوي على الدراما التي هي بمعنى الصراع بين الشخصيات وهما بنفس المستوى من الصعوبة ولكن قد يكون الكرتون أصعب وأدق لأنه من خلال خطوط أو رسمة تخلق شخصية من لحم ودم على حين في الدراما أشاهد الشخصية أمامي كبشر على حين في الكرتون أشاهدها كصورة وهنا تكمن الصعوبة والاختلاف فيما بينهم لكن من ناحية الأداء التمثيلي فهما متساويين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن