رياضة

التطور الرياضي لا يبنى على الاجتماعات والخطب والكلمات … رياضتنا تحتاج إلى البناء السليم وإرادة العمل المخلص .. المدارس الرياضية الصيفية وَهْمٌ بأهداف تجارية ربحية

| ناصر النجار

الجميع يدرك تماماً أن التطور الرياضي يبدأ من القواعد، والقاعدة الرياضية تقول: كلما كانت القاعدة عريضة ومتينة كان الهرم قوياً وصلباً.

ورياضتنا بكل الألعاب تعاني على صعيد القواعد ومن الطبيعي كنتيجة لهذا أن تعاني في القمة.

والغريب في الأمر أن الجميع يعلم داء رياضتنا ويعلم الدواء، لكن البعض لا يعرف كيف يصف الدواء لأنه فشل بتشخيص الداء، وهذا نجده اليوم ماثلاً أمام أعيننا عندما نرى أنديتنا تهرول نحو البطولات المعلبة عبر سعيها نحو فرق مسبقة الصنع، دون أن تجهد نفسها في بناء فريق تصنع من خلاله بطولة.

وبكل الأحوال فإن ثقافتنا الرياضية توقفت عند حدود المال الذي بات هو المطلب الرئيس ليس للتنمية الرياضية إنما لإرضاء الاحتراف البشع الذي لبسنا أسوأ ثيابه.

لذلك من الطبيعي أن تعتمد رياضتنا على الطفرات وأن تكون إنجازاتنا مبنية على المصادفات وهذه الطفرات.

فعندما نملك مجموعة من اللاعبين الجيدين يمكننا تحقيق نتيجة لافتة كالمنتخب الذي وصل إلى حدود المونديال بكرة القدم، وعندما نحصل على موهبة خارقة نحصل على الذهب كغادة شعاع ويمكن أن تتوج قارياً بأبطال أمثال معن أسعد وطلال النجار وهشام المصري ورأفت أكراد ومجد الدين غزال ومن على شاكلتهم.

وإذا أحصينا الأبطال الذين حققوا البطولات الرسمية الدولية والقارية فهم معدودون في نصف قرن من عمر رياضتنا.

وإذا أجرينا إحصاء لكوادرنا ولاعبينا بكرة القدم الذين يلعبون في الخارج لوجدنا أن قلة منهم قادرة على اللعب في أوروبا، وللأسف نجد أن أغلب لاعبينا يلعبون مع أندية الصف الثاني عربياً وكوادرنا إما في هذا الصف أو في فرق الفئات العمرية، وهذه حقيقة كرة القدم وعلينا أن نعرف حجمنا وحدودنا وبقية الرياضات على الشاكلة ذاتها، وإذا وجدنا مدرباً يستلم فريقاً ممتازاً فحتماً هذه اللعبة مغمورة في هذه البلاد وهي في طور النمو والحداثة.

إذا حصرنا الحديث في كرة القدم فإن قواعدنا في خبر كان، وليست مبشرة، ولم نشهد الخامات التي يمكن أن تصبح نجوماً في المستقبل، اعتزل فراس الخطيب، وسيعتزل يوماً ما عمر السوما وعمر خريبين ومحمود المواس، ولم نجد حتى الآن من سيخلفهم من الجيل الجديد أو القادم.

ولا أدلّ على ما نقول من نتائج المنتخبات في الموسم المنصرم على صعيد الناشئين والشباب والأولمبي، ولم تكن النتائج وحدها هي علّة كرتنا في هذا الموسم، بل إن الأداء والمستوى غابا، ولم تفرز لنا هذه المنتخبات أي لاعب يمكننا التفاؤل بخامته وموهبته.

ظروف وأسباب

هناك الكثير من المبررات التي يسوقها القائمون على كرة القدم في الاتحاد أو في الأندية، وهي على سبيل المثال لا الحصر، الأزمة وظروفها، وهذا الأمر فيه جانب من الصواب، لكنه لا يمكن أن يكون العذر المبرر على الدوام أو الشماعة التي سنبقى نلقي فشلنا على عاتقها.

وبالمقارنة مع دول شقيقة مثل لبنان والعراق وفلسطين، نجدهم يعملون رغم ظروفهم الصعبة والتي قد تكون مماثلة أو أشد قسوة، وها هم يتغلبون علينا، وللأسف الشديد كم كانت خسائرنا مرّة المذاق عندما واجهنا لبنان رجالاً وشباباً وخسرنا، وبات الفوز على الأردن حلماً بكل المنتخبات، وهذا الأمر يجعلنا نوجه البوصلة خارج إطار الأزمة، فالمشكلة ليست فيها، إنما بالثقافة الكروية الهشة التي نتعامل بها، وبالآليات التي حرّفت مسيرة العمل في كرة القدم.

وإذا استرجعنا ذاكرتنا في السنوات العشر الماضية لوجدنا أن المسابقات الرسمية لم تتوقف بكل الفئات والدرجات، وأن الدوري استمر في مسيرته وعطائه، ومشاركتنا الخارجية لم تتعطل على صعيد الأندية والمنتخبات، فماذا حصل؟ ولماذا نرمي تقصيرنا على الأزمة؟

الشيء الذي أثّر على كرتنا هو إهمال القواعد بشكل كامل، فبقيت الفرق القاعدية مهملة ولا تجد العناية المطلوبة أو الدعم الحقيقي الكامل، رغم وجود هذه الفرق على أرض الواقع عملياً.

وهذه السنوات التي تبرر فيها أنديتنا تراجع فرقها القاعدية إلى الأزمة كانت تصرف مئات الملايين على فرق الرجال بداعي الاحتراف واستقدام اللاعبين المميزين من أجل الحصول على الألقاب والبطولات.

اليوم (على سبيل المثال) فريق الشرطة الذي فاز بالدوري قبل سنوات وشارك ببطولة الاتحاد الآسيوي ووصل فيها مرتين إلى دور الثمانية، هبط إلى الدرجة الأولى، والسبب الرئيس أنه لا يملك القواعد الجيدة، وليس فريق الرجال وحده الذي هبط، بل فريق الشباب سبقه بالهبوط الموسم الماضي ولم يستطع العودة، وفريق الناشئين وفريق الأشبال على مستوى دمشق لا ينافسان على البطولة وهما في موقعين دون الوسط.

ولو أن إدارة النادي اعتنت بقواعدها كعنايتها برجالها قبل سنوات لوجدنا اليوم لاعبين قادرين على حمل الفريق وإنقاذه من الهبوط.

حتى على الصعيد الفردي فإن فريق الشرطة لم يقدم أي لاعب للكرة السورية في السنوات العشر الأخيرة لأن كل لاعبيه مستوردون من أندية شتى.

ومن لا يخدم كرة القدم حسب أصولها المتعارف عليها فإن كرة القدم لا تخدمه، قد تخدمه الظروف لكن ليس للأبد.

ونسأل عن أندية كبيرة ماذا حصّلت في السنوات الماضية من الاحتراف إلا الخيبة، فها هو فريق أهلي حلب وهو ركن من أركان الكرة السورية وأحد معاقلها وروافدها الرئيسية بكل الفئات، خارج الأضواء ومثله مثل أي فريق عادي، وفي الكثير من المواسم كان مهدداً بالهبوط، وعندما هبط فعلياً مع الكرامة والوثبة وحطين في أحد المواسم ألغي الهبوط!

الكرامة وفيه عراقة كرة القدم، لم نكن نجد فيه لاعبين من خارج أسرته الكروية، فقد كان مصدراً للاعبين، واليوم لا تجد فيه من أبناء النادي إلا القلة القليلة.

لذلك نقول: إن الكرة اليوم في مرمى أنديتنا وخصوصاً الكبيرة والجماهيرية التي تملك الإمكانيات، وعليها أن تعيد النظر في كرة القدم وأن تقتنع أن البناء السليم أهم من البطولات المعلبة، وأن الاهتمام بالقواعد يسهم برفعة كرة القدم على صعيد النادي وعلى صعيد كرة القدم الوطنية، وعندما نهتم بالقواعد كما يجب فسنجد المواهب والخامات تتلألأ في ملاعبنا، ويمكن استثمار هذه المواهب في البيع، كما حدث تماماً مع لاعبينا المميزين الذين رفدوا أنديتهم بمئات الآلاف من الدولارات من خلال عقودهم الخارجية.

مدارس الوهم

ولأن الشيء بالشيء يذكر فإننا نتذكر في هذا الوقت المدارس الرياضية الصيفية التي اعتادت أنديتنا افتتاحها كل صيف، ولم يخل ناد من مدرسة سواء متخصصة بلعبة رياضية أم لعبتين أو بمجموعة من الألعاب على رأسها السباحة وكرتا القدم والسلة.

ونضم إلى ما سبق ما يسمى الأكاديميات التي بات اسمها منتشراً وللأسف فإن من أطلق هذه التسمية لا يعرف ماذا تعني كلمة أكاديمية.

إذا اختصرنا هذه المدارس بكلمتين فإننا نقول: إن هذه المدارس لم تقدم للرياضة أي شيء، هي عبارة عن مشروع تجاري ربحي لفائدة هذه الأندية فقط لا غير.

وحتى نكون منصفين تساهم هذه المدارس باستيعاب الأطفال في ملاعبها وصالاتها حتى لا يرتادوا الشوارع وهذه نقطة إيجابية مهمة.

هذه المدارس عمرها الافتراضي أكثر من ثلاثين سنة ومن جردة حساب لم نجد لها أي أثر إيجابي في الصعيد الرياضي، فعلى سبيل المثال لم تقدم لنا هذه المدارس أي سباح، فما فائدة هذه الدورات وما دور مدربي السباحة في اكتشاف المواهب والخامات، وهل معقول أن هذه المدارس والمسابح على مدار قطرنا لم تكتشف سباحاً واحداً قادراً على تحقيق ميدالية أولمبية لسباحتنا بعد أن تراوحت مراكزنا في البطولات الرسمية المعتمدة أواخر الترتيب بين خمسين سباحاً!؟

وفي كرة القدم الحصيلة أكثر سواداً فلم نجد لاعباً تخرج في هذه المدارس وذاع صيته بالأندية، وللأسف فإن بعض الأندية صرفت على مدارسها الكروية وأكاديمياتها مئات الملايين دون أن نقدم للكرة السورية لاعباً واحد يشبه لاعبينا المتميزين الذين تخرجوا في الأحياء الشعبية الفقيرة.

هذا الموضوع مهم جداً، والاهتمام بالمدارس الرياضية يجب أن يكون كبيراً فهو بالغ الأهمية، ويبدأ الاهتمام من خلال تعيين مدربين مؤهلين وكشافين متميزين قادرين على اكتشاف الموهبة والخامة الواعدة، ولكن للأسف وُضعت هذه المدارس من أجل الربح المادي الوفير وخصوصاً أن الأسعار بلغت الذروة وفاقت قدرة العامة من الناس، فتحولت هذه المدارس إلى القادرين على دفع اشتراكاتها الباهظة فقط.

أما المدربون والمشرفون والإداريون فهم من أصحاب الحظوة عند الإدارة والمقربين منها من أجل الفائدة المادية الملموسة من هذه المدارس.

أكثر من اجتماع مركزي عقد الصيف الماضي وبحث في عملية التطوير الرياضي في كل المفاصل، ومنها ما تحدث عن الرياضة المدرسية وغيرها، وكيفية الاستفادة من الجيل القادم من التلامذة والطلاب وقدمت المقترحات ورفعت التوصيات، وهو أمر جيد بالمطلق.

واليوم نرى أن هؤلاء الصغار يزحفون إلى الأندية زحفاً لينضموا إلى هذه المدارس، وما علينا بعد أن صار كل شيء في متناول اليد إلا أن نعدّ برنامجاً رياضياً جيداً لهؤلاء الصغار، فربما استفدنا بنهاية موسم الصيف بلاعب واحد من كل لعبة، وإذا تبنت كل مدرسة رياضية لاعباً واحداً موهوباً، فكم ستكون حصيلة الرياضة من هؤلاء الخامات في موسم واحد وخصوصاً إذا علمنا أن هذه المدارس على مدار القطر بالعشرات إن لم تكن بالمئات.

أخيراً لابد من التذكير بأن العمل الرياضي لا يبنى بالاجتماعات والكلمات والخطابات، فقد مللنا الجمل المكررة في كل مناسبة، لا يمكن أن تتطور رياضتنا إلا إذا امتلكنا إرادة العمل الصحيح، ورسمنا الخطوات السليمة لوضع الرياضة على الطريق الصحيح، البرامج والإستراتيجيات وخطط العمل كلها موجودة وفي متناول اليد، ومتى امتلكنا العزيمة والصدق في العمل فسنحصد هذا الإخلاص رياضة متطورة وأبطالاً على منصات التتويج.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن