يبين الكاتب السياسي الأميركي تيد غالين كاربينتر، الباحث في «معهد كاتو الدولي» للدراسات الإستراتيجية ومؤلف 12 كتابا عن مسائل النزاع في العالم في تحليل بعنوان «فشل واشنطن في تجنيد دول كثيرة ضد روسيا» أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدين لم تتمكن من تجنيد دول كثيرة في العالم لفرض العقوبات على روسيا رغم اصطفاف معظم دول الاتحاد الأوروبي معها ضد روسيا، فجميع الدول الإفريقية أعلنت أنها ترفض الوقوف مع واشنطن ضد روسيا لأنها تعد روسيا الدولة التي كانت تاريخياً تدعم حركات التحرر القومي ضد الاستعمار الغربي والأميركي، وبالإضافة إلى ذلك أحبطت الصين كل المساعي الأميركية التي هدفت إلى تحييد الصين ومنع اصطفافها إلى جانب موسكو في تصديها للحرب الأميركية الغربية عليها، ولم تستطع واشنطن اقناع الهند بفرض العقوبات على موسكو، وأصبحت دول آسيوية كثيرة ترفض السياسة الأميركية ضد روسيا، كما قررت المكسيك والبرازيل في أميركا اللاتينية، أكبر دولتين في تلك القارة، رفض مقاطعة روسيا، وقاطعت المكسيك الاجتماع الذي دعا إليه بايدين عدداً من دول أميركا اللاتينية لتجنيدهم ضد روسيا، وبقيت كوبا وفنزويلا جبهتي مقاومة لكل سياسات الهيمنة الأميركية في القارة، أما في الشرق الأوسط فما تزال دول تعدها واشنطن صديقة لها ترفض فرض العقوبات على موسكو ومنها السعودية وبقية دول الخليج ومصر والعراق ودول المغرب العربي.
يرى عدد من المحللين الأميركيين السياسيين أن واشنطن والأطلسي لحقت بهما هزيمة بسبب امتناع كل هذا العدد من دول العالم عن اتخاذ موقف معاد لروسيا في موضوع العملية العسكرية في أوكرانيا، ولذلك يستنتج معظم المتابعين لما يجري بين موسكو وأوكرانيا أن إطالة زمن الحرب الأميركية الغربية لن يتحقق، لأن روسيا ما تزال قادرة على المحافظة على قدراتها الاقتصادية وعلى تحقيق أهدافها من هذه العملية العسكرية، وستفرض على أوكرانيا شروطها عن إجراء المفاوضات المحتمة معها.
يعزو كاربينتر هذه النتيجة إلى المقارنة التاريخية بين الدور الروسي في دعم حركات التحرر المناهضة للاستعمار الغربي والأميركي، وبين الحروب التي اعتادت واشنطن شنها منذ عام 1950 على دول كثيرة حتى آخر الحروب في أفغانستان عام 2022، وكذلك في العراق، فتجارب الشعوب وقادة الدول في كل من افريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية لا تزال حية في الذاكرة من فيتنام إلى كوبا إلى العراق وأفغانستان، وكذلك جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الأميركي في معظم دول هذه القارات الثلاث، ولذلك تدرك بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا، أن واشنطن لا يمكن أن تجند معظم أو كل دول العالم معها في حربها على روسيا لا في أوروبا ولا في بقية القارات وستفرض هذه النتائج وضعا تتدهور فيه قوة واشنطن ونفوذها بشكل غير مسبوق وإلى حد سيجعل العالم يتجه نحو تعدد في أقطاب القوى الكبرى، وستولد هذه النتيجة انقساما عالميا بين قطبين احدهما سيثبت تفوقه وقوته بقيادة موسكو وبكين والآخر أميركي سيدفع ثمن حربه مع كل من وقف إلى جانبه من أوكرانيا إلى آخر دولة أوروبية، وسوف يؤدي ذلك إلى تزايد الانقسام داخل دول الاتحاد الأوروبي وخاصة بين فرنسا من جهة، وألمانيا من الجهة الأخرى، بعد أن راهن رئيس الحكومة الألمانية على واشنطن وابتعد عن شريكه الفرنسي، ومن نتائج هذه التطورات أيضاً أنه لا يستبعد أن تجد ألمانيا أن مئة المليار دولار التي أعلنت عن توظيفها لشراء وتطوير الأسلحة وتدريب الجيش، لن تعيد إليها دورها العسكري الاستعماري بين دول نووية، وستكون واشنطن قد استفادت من هذه الميزانية الألمانية الحربية غير المسبوقة ببيعها أسلحة أميركية لن تستخدمها لا في ساحة أوروبا ولا في دول أخرى، ما دامت أن فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ستتنافس على هذه الدول.
يؤكد كاربينتر أن واشنطن ارتكبت خطأ فادحاً حين ظنت أن العالم كله سوف يقف معها في حربها على روسيا، مثلما ظنت ألمانيا أن هذه الحرب ستتيح لها فرصة نهوض عسكري لأغراض الاستعمار والهيمنة.
في النهاية سيسجل التاريخ الحديث أن واشنطن ودول الأطلسي بشكل عام، وألمانيا بشكل خاص، أرادت استثمار دماء الأوكرانيين لمصالحهم الإمبريالية وتلقوا هزيمة نكراء.