من دفتر الوطن

«المصلحجي»

| عبد الفتاح العوض

أن تقول لأحد إنه «مصلحجي» فأنت «تشتمه» بشكل مباشر.

«فالمصلحة» لها سمعة سيئة في مجتمعنا لكن في الواقع هي أهم وأكثر ما يحرك سلوك معظم الناس. وإن أعظم إنجازات البشرية كان دافعها الأول مصلحة شخصية وشغفاً خاصاً.

ودوماً كانت المواجهة بين المصلحة والأخلاق كما لو كانا نقيضين لكن كما هو شائع يتقدم العلماء بأفكار تقدم الأشياء بعين أخرى.

واحد من هؤلاء جيرمي بينثام الذي تحدث عن نظرية المصلحة أو مذهب المنفعة.. وكان تلخيصه للفكرة بسيطاً جداً بحيث تصير المنفعة هي «تحقيق السعادة لأكبر عدد من الأشخاص وهذا هو مقياس الصواب والخطأ». بتعبير آخر السلوك الصحيح هو الذي يؤدي إلى قدر أكبر من السعادة.. وبأكثر وضوحاً «الفعل يكون أخلاقياً إذا أدى إلى نتائج أفضل».

هذا المذهب لقي الكثير من الانتقادات «الأخلاقية» رغم تأييد الكثير لفكرة «السعادة لأكبر عدد من الأشخاص» والتي تعتبر فكرة نبيلة ومفيدة.

لكن الانتقادات جاءت حتى من تلامذة بينثام الذي اعتبر أن بعض أفكار نظرية المنفعة «فعلت شراً خطيراً».

لن أذهب بعيداً في مناقشات النظرية فالمسألة على أرض الواقع تبدو «رائجة » في مجالات عديدة لعل هذه النظرية كان لها انعكاس على الاقتصاد «ونظرية المنفعة الحدية أن يكون الإنفاق الكلي للمستهلك مساوياً لدخله النقدي» مثلما لها تأثير على السياسة ويتم استخدامها بأشكال مختلفة, وفي الأديان يبدو الموضوع شائكاً.. فالإسلام يتحدث بوضوح عن المصالح المرسلة وهي في مضمونها «جلب المنفعة أو درء المفسدة أو الأمران معاً».

لكن الذي يحدث في المجتمع بشكل عام بأن «المصلحة» لا تعني سعادة أكبر عدد من الأشخاص.. بل منفعة شخصية وحتى تلك الشعارات التي تتحدث عن المصالح العامة في كثير من الأحيان تبدو كما لو كانت غطاء إخفاء لنيات حقيقية تتعلق بالمصلحة الفردية فقط.

سمعة «المصلحجي» لا ترتبط فقط بأن الشخص يفكر بمصلحته الذاتية فكل الناس تفعل ذلك… بل يتعدى الأمر عندما تكون هذه المنفعة على حساب الآخرين، وعندما لا تكون مشروعة.

ثم هناك وجه آخر «للمصلحجي» أنه لا يتذكر الآخرين إلا وقت الحاجة لهم، وفي هذه الحالة يتحول إلى «منافق» محترف حتى ينال حاجته وتتحقق مصلحته.

تعبير «مالي مصلحة» لأمر ترفضه حتى لو كان مشواراً عادياً إلى فكرة أن الدول تتحارب لتحقيق مصالحها مسافة شاسعة وحقل من النظريات والأفكار المتشعبة لكن سواء اقتربت كثيراً من نظرية المنفعة أو المصلحة أم ابتعدت عنها فهي في واقع الأمر النظرية التي تحولت بالواقع إلى قانون بشري… يبدأ وينتهي بجملتين إما «مالي مصلحة أو لي مصلحة »!!

أهمية صاحب نظرية المنفعة تتأتى من أنه جعل تحقيق المصلحة بحد ذاته أمراً أخلاقياً.. لكن كل إنسان يدرك في قرارة نفسه أن ذلك ليس صحيحا وأن قانون الضمير يتعارض معه لكن كم من ضمير ما زال على قيد الحياة حتى الآن؟!

أقوال:

– فإن أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنْهَا إذا هُمْ يَسْخَطُونَ.

– لكي يحققوا الهيمنة والسلطة السياسية؛ جعلوا بدورهم مصالحهم الخاصة كأنها المصلحة العامة.

– أصدقاء المصلحة مثل البلياردو من ضربة واحدة يتفرقون.

– لن أضحي بالحقيقة من أجل المصلحة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن