حديقة العنف!!
عبد الفتاح العوض :
يحدث دوماً أن تقف بين أمرين إما أن تسلك طريق اللين وأسلوب الرفق ومنهج الرحمة.. وإما تأخذ الشدة والعنف والقسوة.
تسأل نفسك أيهما الأجدى، وأيهما الأكثر نفعاً؟ أهمية الإجابة عن هذا السؤال تأتي من كوننا الآن وفي ظل هذه الكارثة التي نعيشها يغلب بيننا الشدة والعنف والتطرف.
لو تركت نفسك لحظات لتأخذ دور المراقب والمتابع لسلوك الناس حولك فسترى كيف يغلب علينا الآن الشدة في الحكم على الأفراد، والعنف في التعامل بيننا، والتطرف في اتخاذ المواقف.
هي سمة تبدو واضحة في المجتمع السوري لكنها بذات الوقت ظاهرة عامة تراها في السياسة وفي الاقتصاد وفي الحياة الاجتماعية.
ثمة شدة مفرطة تظهر تجلياتها كثيراً، ومثل قوانين الفيزياء فإن الشدة تقابلها شدة فقط تعاكسها في الاتجاه وإن لم تكن توازيها بالقوة كما يحدث بيننا.
أتحدث هنا عن الحياة العامة والخاصة حيث تكثر استخدامات الشدة في الفعل ورد الفعل ما يخلف جواً مشحوناً بالغضب والبغضاء!!
غالباً ما نصح كتاب السياسة الحكام باستخدام القوة… أشهر هؤلاء ميكافيلي الذي يدين له معظم السياسيين بنصائحه «الذهبية» إنه الرجل الذي قال للأمير: القوة أساس الحق، وهو الذي قال للحاكم: إن خيرت بين أن يحبك الناس أو يهابوك ويخافوك… فاختر الهيبة على الحب.
في التاريخ نماذج كثيرة.. لعل من أوسخها سليم الأول الذي خلع والده بايزيد الثاني وقتل جميع إخوته وأبناء إخوته كي لا ينالوا الحق في الحكم.. ومن الأمثلة المعاصرة ما فعله أمير قطر السابق عندما عزل والده خلال سفره.. وكثيرة هي الأمثلة على ذلك.
الآن أيضاً تتبنى «داعش» ثقافة العنف ودوماً أعود إلى دستور «داعش» المتمثل في كتابهم «إدارة التوحش» الذي يعتبر القسوة واجبة ومجلبة للهيبة.
بالمقابل نقرأ حديث رسول الله الواضح والصريح والذي لا يقبل تأويلات ولا تفسيرات مختلفاً عليها «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نُزع من شيء إلا شانه».
هذا الوضوح والتعميم الذي لا تجد له استثناء نفتقره الآن في معظم مناحي حياتنا.
تكاد تجد الآن تمجيداً للشدة والقوة، فبينما تعتبر كلمات مثل الرحمة والعفو والمسامحة كلمات غير ذات قيمة، وهذا الأمر يشمل حياتنا اليومية مثلما يشمل بيوتنا وأسواقنا.
طبعاً ثمة حالة مثالية يتحدث عنها علماء النفس عندما ينصحون بالتوازن بين اللين والشدة، وربما سيكون من الصعوبة تحقيق هذا التوازن لكن المتنبي في بيت شعر واحد لخص هذا التوازن بصورة بالغة الجمال عندما قال:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا , مضر كوضع السيف في موضع الندى.
شخصياً أحب موضع الندى.. بشدة!!
أقوال:
• تاج القيصر لا يحميه من وجع الرأس.
• أفضل الناس من تواضع عن رفعة، وعفا عن قدرة وأنصف عن قوة.
• ستة لا تفارقهم الكآبة:
حديث عهد بغنى، وغني يخاف الفقر، وطالب رتبة يقصر قدره عنها، وجليس أهل الأدب وليس منهم.. والحقود والحسود.
عندما تصمت «الثيب»
نكتب هنا في الصحيفة عن موظف أخطأ أو معلم ضرب تلميذاً نجد اهتماماً ومتابعة وتحقيقات.. لكن مدير شركة صرافة يهرب ووراء الأكمة ما وراءها، فإن الرد هو «الصمت»!!.. إنه الصمت المريب!! أم صمت القبول والرضا.
كنا نمررها كصمت الرضا لو أنها «بكر» لكننا نعرف أنها «ثيب» ومكثرة!!