أعود بالذاكرة نحو أيام الطفولة عندما كُنا ننهل من قناةٍ تلفزيونية واحدة ويحدث أن ينقطع البث، فتعود إلينا المذيعة بطلَّتها الطبيعية البعيدة عن كل أشكال «النفخ» و«البوتكس» لدرجةٍ كنا نميزهنَّ بسهولة لتعتذر من أحبائِّها الأطفال عن هذا الانقطاع بسبب حدوث «عطل فني»، يومها كان كل همنا عودة البث وليسَ معرفة ماهية هذا العطل الفني ولا حتى الإصغاء لمن يريد ربط هذا الحدث بالإستراتيجية الدولية والصراع على هذا الشرق البائس، لكن مع التطور التقني عبرَ العالم باتَ من الطبيعي أن تسمعَ عن أخطاء فنية هنا وهناك، قليلة هي التي تدفعك للتساؤل: ماذا لو؟
خلال نهائي دوري أبطال أوروبة الذي استضافته العاصمة الفرنسية باريس تأخَّر انطلاق المباراة بسبب ما سموه مشاكل في دخول جماهير نادي ليفربول، ولأنَّ الحدث شكّلَ إهانة لقدرات المدينة التي ستستضيف بعدَ عامين دورة الألعاب الأولمبية، فإن الاستناد في التبريرات إلى همجية الجماهير الإنكليزية وتحديداً جماهير ليفربول صاحبة مجزرة «ملعب هيسل الشهيرة» بحق جماهير يوفنتوس الإيطالي 1985 لم تكن كافية، ما اضطر السلطات للتوسع بالتحقيقات ليكتشفوا أن هناك من باعَ بطاقاتٍ مزورة لكن بتقنية هائلة، ولأنَّ بوابات الملعب لا تفتح إلا بعد مرور «بار كود» البطاقة عبر الجهاز الخاص، فهذا يعني أنهم نجحوا حتى بتزوير الباركودات ليدخلَ أمن الملعب في متاهة لعدم تمكنهِ من تمييز البطاقات الحقيقية من المزورة.
بذات السياق فإن خبرَ إغلاق مطار جنيف في العاصمة السويسرية في الأمس بسبب «خطأ فني» يجب ألا يمرَّ مرور الكرام، فالمطار العريق أغلقَ المجال الجوي أمام جميع الرحلات القادمة لدرجةٍ جعلت التكهنات أشبهَ بالحقيقة، فالخطأ الفني أدى إلى «خللٍ أمني» والقضية هنا فيما يبدو تجاوزت الأخطاء الفنية لنسميها «فقدان السيطرة».
هكذا أحداث تدفعنا فعلياً للتساؤل ماذا لو جاءَ اليوم الذي فقدَ فيه العالم السيطرة على كل هذهِ التكنولوجيا؟ ماذا لو حدث فعلياً وكانت الاختراقات الرقمية أبعدَ من مجردِ مباراة أو مطار، لتصل إلى مفاعلات نووية أو أسلحة غير تقليدية؟
هناك من سيقول، نحمد اللـه في سورية ليسَ لدينا ما يخترقونه حتى بوابات الملعب فإنها تفتح عبر بوابة واحدة تُحشر بها الجماهير كي لا يخسر المتعهد المزيد من المال، لكن القصة ليست مباراة وليست مطاراً القضية أبعد من ذلك بكثير إن كان في سورية أو غيرها، ماذا لو فقد هذا العالم المجنون القدرة على السيطرة التكنولوجية؟
في الخلاصة: يُقال بأن لكل شيء مادي ذروة سيصل إليها ثم يعود للانحدار، ولنعترف بأن ما وصلت إليه التكنولوجيا الرقمية باتت أكثر من مرعبة لكن هل هي الذروة؟ لا نمتلك الجواب لأن أشياء كثيرة يصعب التكهن بها أهمها نهاية التكنولوجيا، وحتى يبان الخيط الأبيض من الأسود خذوا كل هذهِ التكنولوجيا وأعيدوني طفلاً أمام التلفاز ينتظر… ولو حتى انقطاع البث.