رياضة

في اتحاد كرة القدم.. البدء بترتيب البيت الداخلي … هل كانت اللجان العليا ملبية للطموحات والآمال؟ العمل التطوعي باب من أبواب الفساد فاحذروه

| ناصر النجار

بدأ العمل الورقي في اتحاد كرة القدم وانطلقت الاجتماعات وبدأت القرارات بالصدور، ومن هذه القرارات الصادرة تشكيل بعض اللجان العليا، وتأجيل صدور لجان أخرى، وقد صدرت تشكيلاتها أمس الأول.

للأسف ما زلنا مصرين على أن بعض الخطوات تسير بشكل خاطئ بعد أن صدمنا برؤية بعض الأسماء تشغل لجاناً تحتاج إلى ثقل وخبرة وكفاءة ونزاهة.

وبعض الأسماء التي شغلت حيزاً في هذه اللجان لا تمتلك هذه المواصفات أبداً، وهي مجربة على مدار السنوات الماضية ولم تفلح بشيء بقدر ما أفلحت باستثمار عضويتها في مصالح شخصية ومنافع فردية خاصة.

وأغلب الظن أن رؤساء اللجان اختاروا أعضاء على مقاسهم ليكونوا متفردين بالقرار وقادرين على فرض هيمنتهم على اللجنة.

لذلك من الطبيعي أن نسأل: وفق أي المعايير تم اختيار أعضاء اللجان؟

رئيس الاتحاد قد لا يرغب بخوض نزاعات مبكرة مع أعضاء اتحاده لذلك وافق على كل خيارات أعضاء اتحاده من مبدأ منحهم الحرية التامة في العمل وعدم التدخل في شؤون لجانهم، وهذا هو الخطأ بعينه، لأنه بمحصلة الأمر فإن رئيس الاتحاد هو المسؤول الأول والأخير عن نجاح العمل أو فشله.

نحن نذكر أن البدايات الخاطئة ستنتهي إلى الفشل الذريع، وكل ما نشاهده اليوم أن الاتحاد الجديد يسير على النهج الخاطئ الذي سار عليه من سبقه، وما يجري الآن لا يتوافق مع الأهداف والغايات التي أعلنها رئيس وأعضاء الاتحاد في حملتهم الانتخابية أو بالتصريحات الكثيرة التي تلت الانتخابات.

وعلى سبيل المثال لا أعتقد أن لجنة المسابقات مع احترامنا الكامل لشخص كل أعضائها قادرة على تلبية طموح المرحلة القادمة، ومن غير الجائز أن تكون عضوية اللجان الفنية بمنزلة جسر عبور إلى اللجان العليا التي تتطلب أشخاصاً أكثر كفاءة وقدرة على تفعيل هذه اللجنة التي هي الأساس في عملية كرة القدم وتعتبر من اللجان السيادية في عالم الكرة المستديرة.

إذا كان مفهوم لجنة المسابقات أن عملها يقتصر على إصدار جداول المباريات وتحديد الزمان والمكان وتعيين المراقبين فعلى كرتنا السلام، وحتماً في هذه الحالة فإن اهتمام اللجنة سينصب على مراقبة المباريات واختيار الأنسب منها ودعم الأصدقاء والمقربين لنعود إلى المربع الأول وكأنك يا أبا زيد ما غزيت.

وللعلم فإن مثل هذه الأعمال تقوم بها بدقة ومهارة فرق الأحياء الشعبية في دورياتها، وهذه المهام ليست صعبة ومن الممكن لأي شخص مطلع على كرة القدم ولو كان في مقاعد المتفرجين بملاعبنا أن يقوم بها.

لكي تتطور كرة القدم تحتاج إلى فكر كروي حديث، ولأن كرتنا محترفة فإنها تحتاج إلى ثقافة احترافية.

إذا بقيت مسابقاتنا المحلية على شاكلتها هذه، فبماذا ستستفيد كرتنا، المسابقات الرسمية تحتاج إلى نسف من الأساس، وتحتاج إلى صيغ جديدة، وخصوصاً في الدرجات الدنيا وفي الفئات، وتحتاج إلى دعائم ومساندة من اللجان الأخرى، ومن الاتحاد ذاته.

نريد لجنة لها رؤية تطويرية للإقلاع بالمسابقات الرسمية، لتتحقق الفائدة الكاملة المرجوة من هذه المسابقات.

وعلى سبيل المثال، ما الفائدة من دوري تلعب فرقه عشر مباريات في الموسم الواحد في شهرين فقط؟

وما الفائدة من أندية لا تملك مقومات كرة القدم؟

هذه الأسئلة يجب أن تكون حاضرة في ذهن اتحاد كرة القدم أولاً ولجنة المسابقات ثانياً.

المشكلة في قبول انتساب الأندية إلى اتحاد كرة القدم، من يطلع على الشروط فإنها تنطبق على كل الناس، فبإمكان أي شخص أن يكوّن نادياً ما دام يملك مقراً ولو غرفة وهاتفاً ووسيلة اتصال (فاكس موبايل فيه نت) وكم شخص بين لاعب ومدرب.

إذا اطلعنا على الأندية المنتسبة إلى اتحاد كرة القدم لوجدناها أكثر من مئة وخمسين نادياً أغلبها أندية خلبية لا تملك أدنى مقومات كرة القدم.

لجنة المسابقات يجب أن تعتمد في عملها على الرقم والنوع، وعليها أن تضع في حساباتها كيفية تطوير المسابقات الرسمية لتحقق أدنى الفائدة المطلوبة.

من البداية لابد من الاطلاع على أوضاع اللاعبين وتصنيفاتهم.

كم عدد لاعبي الرجال وأعمارهم، وكم عدد لاعبي الشباب وكم عدد لاعبي الناشئين وكم عدد لاعبي الأشبال.

وفق العدد الموجود الفعلي، يمكن وضع خريطة للدوري بكل الدرجات والفئات.

فليس المهم ملء مساحات الملعب، لأن الأهم من يُشغل هذه المساحات.

إذا افترضنا أن الدوري الممتاز لا يحتاج إلا بعض الاهتمام والمزيد من الضبط والدعم والمراقبة المباشرة المتواصلة، فإن بقية الدوريات سواء في الدرجات الدنيا وفي الفئات العمرية تحتاج عملاً أكبر وجهداً أفضل.

إذا كان الاتحاد الآسيوي وضع شروطاً لاعتماد الأندية ضمن فئتين: محترفة تحقق كامل الشروط، ومحترفة غير قادرة على تحقيق كامل الشروط، مع العلم أن هذه الأندية هي نخبة الأندية في دولها واتحاداتها، فإن لجنة المسابقات يجب أن تضع معايير محددة لمشاركة الأندية في المسابقات الرسمية، وعلى سبيل المثال: كل فريق في الدرجة الأولى يجب أن يملك ملعباً، وفرقاً رسمية بكل الفئات (رجال، شباب، ناشئين، أشبال) وأن يملك المؤونة المالية القادرة على الإنفاق على كرة القدم لأداء موسم كامل بدوري كامل منتظم وليس دورياً يقام على شهرين ومبارياته لا تزيد على عشر مباريات بكامل الموسم.

علينا النظر إلى الخريطة الجغرافية لكرة القدم لنجد أنها بعيدة كل البعد عن المنطق، ونجد أن شغف كرة القدم يدفع كل قرية لتشكيل فريق بغض النظر عن المقومات والإمكانيات.

وإذا استعرضنا محافظة ريف دمشق لوجدنا العجب العجاب، ففي مساحة لا تتجاوز خمسة كيلو مترات نجد ستة أندية: (حرجلة، الكسوة، داريا، معضمية الشام، صحنايا، عرطوز) وهي متاخمة وقريبة من أندية القنيطرة.

هذا التوزع العشوائي جعل الأندية يأكل بعضها بعضاً، وهي تتنافس دون أي تعاون يعود على كرة القدم في ريف دمشق بالفائدة، وتجربة نادي حرجلة الناجحة كانت بفضل وجود الإمكانيات، والاستعانة بلاعبين من خارج المحافظة، لكنها لم تحقق الفائدة للمنطقة ومحافظة الريف.

وفي مناطق أخرى نجد أندية متلاصقة على الشكل ذاته كجرمانا والسيدة زينب والنشابية وعربين ودوما والضمير وغيرها من الأندية.

من المفترض ألا يفهم من كلامنا أننا ضد وجود هذه الأندية وضد انتشار كرة القدم، فهذه الخريطة العشوائية موجودة في كل المحافظات بلا استثناء، وما نقصده تماماً أن تنظر لجنة المسابقات إلى هذه الأندية نظرة واقعية من مبدأ وجودها الحقيقي وإمكانياتها، فيتم توزيعها على درجات، ولبنان على سبيل المثال في كل حارة وقرية فريق لكرة القدم وقد استوعب الاتحاد اللبناني هذه الفرق في خمس درجات مع العلم أن مساحة لبنان تعادل مساحة محافظة سورية واحدة.

نحن لا نريد فرض شكل العمل على لجنة المسابقات، فلها الحرية فيما تراه لكونها في موقع المسؤولية، ومهمتنا تقتصر بالإشارة إلى الخلل فقط، ومن هذا المبدأ ومن خلال تجربة السنوات العشر السابقة وجدنا أن دوري الدرجة الأولى لا لون ولا طعم ولا شكل له، وإذا كانت حجة التغيير تعوقها إمكانيات الأندية، فإن المصلحة العامة أكبر من المصالح الفردية للأندية، وعلى الأندية التي لا تستطيع المشاركة لضعف إمكانياتها أن تنسحب من هذا الدوري وتنضم إلى دوري الدرجة الثانية أو دوري يلائم إمكانياتها.

قد يكون تخفيض عدد أندية الدرجة الأولى يحتاج إلى إجراءات عديدة وموافقة الجمعية العمومية، وهذا أمر طبيعي وعلينا البدء به منذ الآن لنصل إلى الدوري الذي نتمناه ولو بعد موسمين، حالياً يمكن توزيع الفرق على مجموعتين وليس أكثر لكي نحقق الفائدة المرجوة ولو بحدودها الدنيا.

الملاحظة المهمة التي نوردها ويجب أن تؤخذ بعين الاعتبار تتعلق بفشل الأندية الصاعدة إلى الدرجة الممتازة وعدم قدرتها على الصمود أكثر من موسم أو موسمين على الأكثر.

الفشل في المقام الأول سببه أن دوري الدرجة الأولى لا يصقل فرقه ولا يؤهلها لدخول الدوري الممتاز، وذلك من ناحية قلة عدد المباريات وضعف مستوى اللاعبين، وندرة المباريات التنافسية، وهذا ما حدث مع فريقي النواعير وعفرين هذا الموسم، وهو ما حصل ويحصل مع فرق الحرية والمحافظة واليقظة فيقف التأهل إلى الدرجة الممتازة أمامهم مانعاً. والمشكلة الأكبر أن الفرق المتأهلة من الدرجة الأولى ولأنها بالأصل غير مؤهلة للدوري الممتاز تحاول دعم صفوفها ببعض اللاعبين فتقع في فريسة عدم التناغم وسوء الانسجام وضحية اللاعبين، ولو أن دوري الدرجة الأولى كان امتداده للدرجة الممتازة بكل شيء لما وقعت أنديتنا بكل هذه الإشكالات.

العمل التطوعي

ما تكلمنا به عن لجنة المسابقات ينطبق على العديد من اللجان العليا الأخرى وإن كان لكل واحد منها خصوصيتها وطبيعة عملها.

الشيء الذي نخشاه في الكثير من الأسماء التي زجت في اللجان تنطبق عليها مقولة (فاقد الشيء لا يعطيه) وهذه لجنة الحكام بصورتها الأخيرة مثال حي، وللأسف فإن الحكام والتحكيم مشكلة كبيرة عصية على الحل وسنواجه منها المتاعب كثيراً في الموسم القادم.

العرف السائد الذي جعله اتحاد كرة القدم فرضاً أن تكون اللجان العليا بعهدة أعضاء الاتحاد هو مفهوم غير صحيح بالمطلق.

وعلى سبيل المثال فإن أحد الأعضاء يرأس ثلاث لجان دفعة واحدة، السؤال: ألا يوجد أحد من خارج الاتحاد قادر على استلام هذه اللجان؟

في كل اللجان فإن فكرة العمل التطوعي فكرة خاطئة، ولا يكفي تعويض إذن السفر ليغطي نفقات الاجتماعات على الأقل، فكيف إذا كان العضو بحاجة إلى جولات هنا وهناك.

لذلك فإن بقاء العمل في اللجان العليا تطوعياً هو مدخل من مداخل الفساد وإذا أصرّ اتحاد الكرة على أن يكون التعويض على شكل مراقبة المباريات فإنه بذلك قد يضع الرجل غير المناسب في مهام تتطلب الخبرة والدراية، وهذا سيعيدنا إلى زمن مراضاة الأعضاء على حساب العمل، وعلى حساب الكوادر الجيدة التي ستبقى على الانتظار لوجود أشخاص يشغلون أماكن ليست أماكنهم ومهام ليست على مقاسهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن